السبت، 16 مارس 2013

عقائد الامامية _ ناصر مكارم الشيرازي _ الامامة



الفصل الخامس
الإمامة

44- استمرار الإمامة:
إنّنا نعتقد أنّ الحكمة الإلهية كما تتطلّب إرسال الأنبياء لهداية البشرية، تتطلب أيضاً وجود الإمام بعد النبي في كل عصر لحفظ الشرائع والرسالات السماوية من التحريف والتغيير، وتلبية حاجات الناس في كل زمن، ودعوتهم إلى الله والالتزام بالدين، من دون ذلك يبقى الهدف من الخلقة - وهو التكامل والسعادة - عقيماً؛ إذ يضلّ الناس عن سبيل الهدى وتضيع شرائع الأنبياء، ويصبح الناس حيارى؛ ولهذا فإنّنا نعتقد بوجود الإمام بعد النبي في كل عصر: )يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين} [التوبة/119].
وهذه الآية لا تختص بزمن دون آخر، والدعوة إلى مواكبة الصادقين دليل على وجود الإمام المعصوم -الذي يجب أن يُتَّبع- في كل عصر، كما أشار إلى ذلك الكثير من المفسرين الشيعة والسنة. ( يقول الفخر الرازي بعد بحث مطول حول الآية: … فكانت الآية دالة على أن من كان جائز الخطأ وجب كونه مقتدياً بمن كان واجب العصمة، وهم الذين حكم الله تعالى بكونهم صادقين، فهذا يدل على أنه واجب على جائز الخطأ كونه مع المعصوم عن الخطأ حتى يكون المعصوم عن الخطأ مانعاً لجائز الخطأ عن الخطأ، وهذا المعنى قائم في كل الأزمان، فوجوب حصوله في كل الأزمان. (التفسير الكبير16: 221)).

45- حقيقة الإمامة:
إنّنا نعتقد أنّ الإمامة ليست مجرد منصب ظاهري للسلطة والحكومة، وإنما هي منصب روحي ومعنوي رفيع؛ والإمام يتبنّى هداية الناس في أمور دينهم ودنياهم فضلاً عن قيامه بأمور الحكم والإدارة، وحفظ الشريعة من أي تلاعب وانحراف، ليحقق الأهداف التي بعث من أجلها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم).
وهذا المنصب الرفيع أعطاه الله تعالى لخليله إبراهيم بعد أن طوى مرحلة النبوة والرسالة واجتاز العديد من الابتلاءات، وقد سأل الله أن يهبه لبعض ذريته، فرُفض الطلب عن بعضهم لأنه منصب لا يناله الظالمون منهم: )وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلمات فأتمهنّ قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريّتي قال لا ينال عهدي الظالمين} [البقرة/124].
ومن الطبيعي ألاّ يختزل عهد رباني كهذا بالحكم والسلطة الظاهرتين فحسب، وإذا لم تقسّر الإمامة بالصورة التي ذكرنا، فلن يكون للآية أعلاه مفهوم واضح.
إنّنا نعتقد أنّ أولي العزم من الأنبياء كان لهم منصب الإمامة والزعامة المعنوية والمادية والظاهرية والباطنية على الناس، لاسيما النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث أعطي منصب الإمامة الربانية منذ بداية نبوّته، ولم تقتصر نبوته على إبلاغ التعاليم الإلهية بل كان إماماً لهم أيضاً.
إنّنا نعتقد أنّ خط الإمامة بعد النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) استمر في المعصومين من ذرّيته.
ويتّضح بلحاظ ما ذكرنا من تعريف للإمامة أنّ بلوغ هذا المقام يتوقّف على شروط مشدّدة، من حيث التقوى (التقوى إلى حدّ العصمة من الذنب)، ومن حيث العلم والإحاطة بجميع المعارف والتعاليم الدينية ومعرفة الإنسان وحاجاته في كل عصر ومكان.

46- عصمة الإمام من الذنب والخطأ:
إنّنا نعتقد أنّ الإمام كالنبي يجب أن يتّسم بالعصمة من كل ذنب وخطأ؛ لأنه - فضلاً عما جاء في تفسير الآية المذكورة - لا يستطيع غير المعصوم أن يصبح موضع ثقة تامة تُؤخذ بها منه أصول الدين وفروعه، ولهذا نعتقد بأنّ قول الإمام حجة شرعية كفعله وتقريره (المراد بالتقرير الموافقة على عمل معين يجري أمامه بالسكوت عنه).

47- الإمام حافظ الشريعة:
إنّنا نعتقد أنّ الإمام لا يأتي بشريعة جديدة من لدنه، وإنّما يتحمّل مسؤولية صيانة الشريعة الإسلامية وحمايتها، والسعي لتعليمها والتبليغ لها وارشاد الناس إلى الكتاب والسنّة.

48- الإمام أعلم الناس بالدين:
ونعتقد أيضاً أنّ الإمام أن يحصل على علم ووعي كاملين لجميع أصول الإسلام وفروعه وأحكامه وقوانينه ولتفسير القرآن المجيد: وهذا العلم ربّاني مأخوذ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ليستطيع أن يصبح موضع ثقةٍ تامّة من قبل الأمّة، وليمكن الاعتماد عليه في فهم حقائق الإسلام.

49- النص على الإمام:
إنّنا نعتقد أنّ الإمام (خليفة الرسول) يجب أن يكون منصوصاً عليه، أي يُعين بتصريح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونصّه عليه، ونص كل إمام على الذي يليه؛ وبعبارة ثانية: إنّ الإمام يُعَيَّن كالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل الله تعالى (بواسطة النبي)، كما جاء في الآية المتعلّقة بإمامة إبراهيم: (إنّي جاعلك للناس إماماً}.
هذا إلى أن تحديد مستوى التقوى وأنّها قد بلغت حدّ العصمة، وتقرير أن المكانة العلمية قد بلغت مستوى الإحاطة بجميع الأحكام والتعاليم الإلهية دون أيّ خطأ، لا يتسنّى لأحد سوى الله ورسوله، فلا بد في تعيين مَنْ تتوفر فيه صفة العصمة أن يكون من قبل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم).
وعليه فإنّنا نعتقد بأنّ إمامة الأئمة المعصومين لا تتمّ بطريق الانتخاب الشعبي.

50- تعيين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للأئمة:
إنّنا نعتقد أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي عيّن الأئمة من بعده في حديث الثقلين المعروف.
فقد جاء في صحيح مسلم أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قام خطيباً بماءٍ يدعى (خُم) بين مكة والمدينة فقال: » … فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهم كتاب الله فيه الهدى والنور… وأهل بيتي، أذكركّم الله في أهل بيتي، أذكركّم الله في أهل بيتي، أذكركّم الله في أهل بيتي « [صحيح مسلم 4: 1873].
وجاء في هذا المعنى في صحيح الترمذي أيضاً [صحيح الترمذي 5: 662] وفيه تصريح واضح بتعيين الإمام بعده في أهل بيته (صلى الله عليه وآله وسلم).
كما جاء في سنن الدارمي [سنن الدارمي 2: 432] وخصائص النسائي [خصائص النسائي: 20] ومسند أحمـد [مسـند أحمد 5: 182؛ وكنز العمال 1: 185، الحديث 945] ومعظم المصادر الإسلامية المعروقة، فحديث الثقلين لا يمكن أن يشكّ فيه أحد قيد أنملة، لأنه في عداد الأحاديث المتواترة التي لا يمكن لأيّ مسلم أن ينكرها أو يطعن فيها، ويستفاد من الروايات أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كرّر هذا الحديث أكثر من مرة وفي أكثر من موقع.
وبطبيعة الحال، لا يمكن لجميع أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتبوّأوا مثل هذا المنصب والمقام إلى جانب القرآن، ولا بدّ أن تنحصر الإشارة إلى الأئمة المعصومين من ذرية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) (وقد ورد في بعض الأحاديث الضعيفة والمشكوكة التي لا يعتمد عليها كلمة ((سنتي )) بدلاً من (( أهل بيتي)) ).
ويوجد حديث آخر مشهور نعتمد عليه ورد ذكره في المصادر المعروفة أمثال صحاح البخاري ومسلم الترمذي وأبي داود ومسند ابن حنبل وغيرها؛ قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ((لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش)). [جاء هذا التعبير في صحيح مسلم 3: 1453 عن جابر بن سمرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وورد في المصادر المذكورة الأخرى باختلاف بسيط (صحيح البخاري 3: 101، وصحيح الترمذي 4: 501، وصحيح أبي داود 4، كتاب المهدي) ].
إنّنا نعتقد أنه لا يوجد تفسير مقبول لهذه الروايات سوى ما جاء في عقائد الشيعة الإمامية حول الأئمة الاثني عشر.

51- تنصيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً (عليه السلام):
إنّنا نعتقد أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نَصب علياً (عليه السلام) مرّات عديدة خليفة له (بأمر الله)، ففي غدير خمّ (وهو موقع بالقرب من الجحفة) تلا (صلى الله عليه وآله وسلم) خطبة لدى عودته من حجّة الوداع في جمع كبير من أصحابه، قال فيها جملته المعروفة: ((أيها الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه)). [روى هذا الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بطرق متعددة، وقد بلغ عدد رواته 110 أشخاص من الصحابة و84 من التابعين، وورد في 360 مصدراً إسلامياً معروفاً، مما لا يسعنا شرح ذلك هنا (راجع: ج9 من كتاب من وحي القرآن ص181 فما بعد) ].
ولأنّنا لا نهدف إلى الإطالة وإيراد الاستدلالات في مقام بيان هذه العقائد، نكتفي بالقول: أنّ هذا الحديث لا يمكن أن نمر عليه مرور الكرام، أو نفسّره من باب المودة والمحبة المجردة رغم تأكيد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه.
ألا ينطبق هذا الحديث مع ما قاله ابن الأثير في الكامل من أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جمع أقاربه وعشيرته في بداية دعوته حينما نزلت الآية: )وأنذر عشيرتك الأقربين}، وعرض عليهم الإسلام، ثم قال: ((أيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم))، فلم يجبه أحد سوى عليّ (عليه السلام) حينما قال: ((أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه))، ثم أشار إليـه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: (( إنّ هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم)). [الكامل لابن الأثير 2: 63، طبعة بيروت، دار صادر؛ وورد هذا المعنى باختلاف طفيف في مسند أحمد بن حنبل 1: 11؛ وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 13: 210؛ وغير ذلك].
ألا يعني هذا ما أراد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) تأكيده في الساعات الأخيرة من عمره الشريف، إذ قال كما جاء في صحيح البخاري: ((إئتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً))، لكن بعضهم عارض ذلك وقال كلاماً فيه الكثير من الإهانة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنع تحقق هذا الأمر؟ [نقل البخاري هذا الحديث في 5: 11، ((باب مرض النبي))، وأورده بوضوح أكثر مسلم في صحيحه 3: 1259].
نكرّر مرة أخرى أن الهدف هو ذكر العقائد مع القليل من الاستدلال، وإلاّ اتخذ البحث منحىً آخر.

52- تأكيد كل إمام على الذي يليه:
إنّنا نعتقد أنّ كل إمام من الأئمة الاثنى عشر كان يجري النص عليه من الإمام الذي يسبقه، وأولهم علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم ولده الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، ثم ولده الآخر الحسين بن علي سيد الشهداء (عليه السلام)، ثم ولــــده علي بن الحسين (عليه السلام)، فولده محمّد بن علي الباقر (عليه السلام)، وبغده ابنه جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) ثم ولده موسى بن جعفر (عليه السلام)، وبعده ولده عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام)، ثمّ ولده محمّد بن علي التقيّ (عليه السلام)، ثمّ ولده علي بن محمّد النقيّ (عليه السلام)، ثمّ ولده الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)، وخاتمهم محمّد بن الحسن المهدي (عليه السلام) الّذي نعتقد أنه لا يزال حيّاً، سلام الله عليهم أجمعين.
وإنّ الاعتقاد بالمهدي ((عج)) الذي سيملأ الدنيا عدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، لا ينحصر بنا فحسب، وإنّما يعتقد بذلك كل المسلمين، وقد ألّف بعض علماء السنّة كتباً مستقلة حول تواتر روايات المهدي ((عج))، وأكدت رسالة نشرتها رابطة العالم الإسلامي قبل سنوات كون الظهور من المسلّمات، ونقلت عن كتب معروفة ومعتبرة روايات كثيرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حول المهدي [صدرت هذه الرسالة في 24/شوال/ 1396 عن رابطة العلم الإسلامي بتوقيع مدير إدارة مجمع الفقه الإسلامي محمد المنتصر الكتاني]. غاية الأمر أن الكثير من علماء السنة يعتقدون أنه ((عج)) سيُولد في آخر الزمان، ونعتقد نحن أنه الإمام الثاني عشر الذي قد ولد وأطال الله بعُمره كما أطال بعمر إدريس وعيسى (عليهم السلام) وغيرهما من المعمّرين، وسيظهر حينما يأذن الله له ويكلّفه بإقامة العدل والقضاء على الجور.

53- علي (عليه السلام) أفضل الصحابة:
إنّنا نعتقد أنّ علياً (عليه السلام) كان أفضل الصحابة، ومكانته في الإسلام تلي مكانة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي الوقت نفسه نعتبر أيّ غلو في عليّ (عليه السلام) حراماً، ونعتقد أنّ من يقول بألوهية عليّ (عليه السلام) كافر خارج عن جماعة المسلمين، ونحن بريئون منه ومن عقائده؛ وممّا يؤسف له أنّ البعض اشتبه عليه الأمر للخلط الذي حصل بين الغلاة وبين المسلمين الشيعة، رغم أن علماء المسلمين الشيعة الإمامية اعتبروا هذه الفئة غريبة عن الإسلام.

54- الصحابة أمام حكم العقل والتاريخ:
إنّنا نعتقد أنّ من بين صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شخصيات كبيرة مضحّية أشار القرآن إلى فضائلهم الكثيرة، وتطرقت الروايات إلى مناقبهم، لكن هذا لا يعني أنّ جميع الصحابة هم في عداد المعصومين عن الزلل، ولا يعني أن نعتبر أعمالهم صحيحة دون استثناء؛ لأن القرآن يتحدث في الكثير من آياته (في سورة البراءة والنور والمنافقين) عن المنافقين الذين كانوا ضمن صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث ذمّتهم الآيات القرآنية أشد الذم رغم أنهم كانوا - في ظاهر الأمر- من الصحابة. وكان من بين الصحابة أيضاً من أشعل فتيل الحرب بين المسلمين بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونكثوا البيعة مع الخليفة، وأراقوا دماء عشرات الآلاف من المسلمين؛ فهل يحق لنا أن ننزّه هؤلاء الأشخاص ونزكّيهم ؟.
وبعبارة ثانية: كيف نستطيع أن نحكم بصلاح طرفي النزاع (في معركتي الجمل وصفين مثلاً)؟ ففي ذلك تناقض لا يمكننا القبول به؛ ومَن يسوّغ هذا الأمر بالاستناد إلى موضوع الاجتهاد، ويقول أن أحد الطرفين كان إلى حقّ والثاني على باطل، لكنّه عمل باجتهاده فأعذر عند الله وأثيب، فهذا استدلال لا يمكن القبول به أيضاً.
فكيف يمكن لأحد أن ينقض البيعة مع خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحجة الاجتهاد، ثمّ يعمد إلى إشعال فتيل الحرب وإراقة دماء الأبرياء بحجة الاجتهاد أيضاً؟ ، وإذا أصبح بالإمكان تبرير عملية سفك الدماء بالاجتهاد، أمكن عندئذ تبرير كل عمل بالاجتهاد.
وبصراحة نقول: أنّنا نعتقد أنّ كلّ إنسان - وإن كان صحابياً - رهين بعمله ويصدق عليه الأصل القرآني: )إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات/ 13]؛ وعليه لا بدّ أن نحدد وضع الصحابة من خلال أفعالهم، لنصل إلى حكم منطقي ينطبق عليهم جميعاً، فمن كان صحابياً مخلصاً على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، واستمر على هذا المنهج في حفظ الإسلام والوفاء بالعهد مع القرآن بعد النبي، وقّرناه واعتبرناه من الصالحين.
ومن كان منافقاً على عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقام بأفعال تؤذيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو غيّر مساره بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بما فيه ضرر بالإسلام والمسلمين، فإنّنا لا نكنّ له أي نوع من أنواع الودّ؛ قال تعالى: )لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان} [المجادلة/ 22].
أجل، أننا نعتبر أولئك الذين حادّوا الرسول في حياته أو بعد مماته لا يستحقّون أي ثناء وتوقير.
ولكن يجب أن لا ننسى هنا أنّ جمعاً من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلوا ما في وسعهم من اجل نشر الدين الإسلامي، فأثنى عليهم الله تبارك وتعالى وانزل فيهم مديحاً يستحقّه أيضاً التابعون الذين ساروا على نهج الصحابة الصالحين، كما يستحقّه كلّ من يسير على هذا النهج إلى يوم القيامة: )والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} [التوبة/ 100].
هذه إذاً هي خلاصة عقيدتنا حول الصحابة.

55- علوم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من النبي(صلى الله عليه وآله وسلم):
إنّنا نعتقد أنّ كلام الأئمة (عليهم السلام) وفعلهم وتقريرهم (أي عدم النهي عن أفعال تُجرى بحضورهم) حجة وسند، بلحاظ ما أمر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حسب ما جاء متواتراً من لزوم التمسك بالقرآن والعترة، وبلحاظ ما نعتبره من أنّ الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) معصومون؛ وعليه فإن أحد مصادرنا الفقهية بعد القرآن والسنّة النبوية هو قول الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) وفعلهم وتقريرهم.
وإذا دقّقنا النظر فيما جاء عن الأئمة (عليهم السلام) من أنهم ينقلون عن آبائهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، اتضح لنا أنّ رواياتهم (عليهم السلام) هي في الحقيقة روايات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونحن نعلم أن روايات الشخص الموثوق عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مقبولة عند جميع علماء المسلمين.
قال الإمام محمّد بن علي الباقر (عليهم السلام) لجابر: ((يا جابر، إنّا لو كنا نحدّثكم برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين، ولكنّا نحدّثكم بأحاديث نكنزها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم))). [جامع أحاديث الشيعة 1: 18 من المقدمات، الحديث 116].
ونقرأ في حديث آخر عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليهم السلام): ((أن رجل سأله عن مسألة فأجابه فيها، فقال الرجل: أرأيت إن كان كذا وكذا ما يكون القول فيها؟ فقال له: مه! ما أجبتك فيه من شيء فهو عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لسنا من : (أرأيت)، في شيء)). [أصول الكافي 1: 58، الحديث 121].
ومن المهم هنا أن نذكر أن لنا مصادرنا المعتبرة في الحديث مثل الكافي والتهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه وغيره، إلاّ أنّ الاعتبار الذي تحظى به هذه المصادر لا يعني في حال من الأحوال أنّنا نقبل بكل رواية وردت فيها؛ فإلى جانب الروايات توجد كتب الرجال الّتي تكشف عن وضع الرواة في تسلسل جميع أسانيد تلك الروايات؛ ولا نأخذ بها إلاّ حينما يكون رواتها في سلسلة السنة من الثقاة، وعليه فإنّنا لا نعتمد الرواية التي لا يتحقّق فيها هذا الشرط حتى وإن وجدت في المصادر المذكورة.
هذا إلى أنّه قد توجد رواية معتمدة السند، لكن علماءنا وكبار فقهائنا تجاهلوها وأعرضوا عنها، لأنّهم وجدوا فيها خللاً من نوع آخر؛ ولا تجد هذه الرواية الّتي يطلق عليها ((معرض عنها)) طريقاً إلى رواياتنا المعتمدة.
من هنا يتّضح أنّ من يحاول الإطلاع على عقائدنا ويحكم فقط بالاستناد فقط على رواية أو روايات وردت في بعض هذه الكتب دون أن يحقّق في سندها فهو على خطأ.
بعبارة ثانية: توجد لدى بعض المذاهب الإسلامية المعروفة كتب باسم ((الصحاح))، لا يشكّ مؤلفوها بصحة الروايات الواردة فيها، كما يعتبرها الآخرون صحيحة؛ إلاّ أنّ الكتب المعتبرة لدينا ليست بهذه الصورة، وإنّما هي كتب ألّفها الثقاة، تعتمد صحة أسناد الروايات الواردة فيها على العودة إلى كتب علم الرجال لدراسة رجال الأسانيد فيها.
إنّ هذه الملاحظة يمكن أن تكون إجابةً على الكثير من الأسئلة التي تثار حول عقائدنا، كما أنّ الغفلة عنها يؤدي إلى الوقوع في اشتباهات كثيرة حول عقائدنا.
على أي حال، فإن أحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الاثني عشر ترقى إلى مستوى الاعتبار عندنا بعد القرآن والسنّة النبوية، بشرط أن يثبت صدور هذه الأحاديث عن الأئمة (عليهم السلام) بطريق معتبر.