الجمعة، 29 مارس 2013

- الإمامة وأهل البيت ج 2 - محمد بيومي مهران ص 153 :

روى النسائي في الخصائص بسنده عن بي الزبير عن جابر :
ان النبي صلى الله عليه وسلم ، حين رجع من عمرة الجعرانة بعث أبا بكر على الحج ، فأقبلنا معه حتى إذا كنا بالعرج ثوب بالصبح ( 1 ) ، فلما استولى بالتكبير سمع الرغوة خلف ظهره ، فوقف عن التكبير فقال : هذه رغوة ناقة رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، الجدعاء ، لقد بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج ، فلعله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنصلي معه ، فإذا علي ، رضي الله عنه ، عليها ، فقال له أبو بكر : أمير أم رسول ، قال : لا بل رسول ، أرسلني رسول
الله صلى الله عليه وسلم ببراءة ، أقرؤها على الناس في مواقف الحج ، فقدمنا مكة ، فلما كان قبل التروية بيوم ، قام أبو بكر فخطب الناس فحدثهم عن مناسكهم ، حتى إذا فرغ قام علي فقرأ على الناس براءة حتى ختمها ، ثم خرجنا معه حتى إذا كان
يوم عرفة ، قام أبو بكر فخطب الناس فحثهم على مناسكهم ، حتى إذا فرغ قام علي رضي الله عنه ، فقرأ على الناس ، براءة حتى ختمها ، فلما كان النفر الأول قام أبو بكر فخطب الناس فحثهم كيف ينفرون أو كيف يرمون فعلمهم مناسكهم ، فلما فرغ قام علي رضي الله عنه ، فقرأ على الناس براءة حتى ختمها ( 2 ) .

وروى النسائي بسنده عن أبي إسحاق عن حبشي بن جنادة السلولي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : علي مني وأنا منه ، فلا يؤدي عني إلا أنا أو علي ( 3 ) .

وروى النسائي بسنده عن سماك بن حرب عن أنس قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، براءة مع أبي بكر ، ثم دعاه فقال : لا ينبغي أن يبلغ هذا ، إلا رجل من أهلي ، فدعا عليا فأعطاه إياها ( 4 ) .

وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن أبي إسحاق عن حبشي بن
* هامش *
( 1 ) المراد بالتثويب هنا : الإقامة للصلاة ( النهاية 1 / 226 ) .
( 2 ) تهذيب الخصائص ص ( 49 - 50 ) .
( 3 ) تهذيب الخصائص ص 48 .
( 4 ) تهذيب الخصائص ص 48 . ( * )

جنادة ، قال ابن آدم السلولي - وكان قد شهد حجة الوداع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : علي مني ، وأنا منه ، ولا يقضي عني ديني إلا أنا ، أو علي ، قال ابن آدم : ولا يؤدي عني إلا أنا ، أو علي ( 1 ) .

ورواه أحمد في المسند ، وأخرجه النسائي في الكوفي كما في تحفة الأشراف ، ورواه ابن ماجة ، وذكره المحب الطبري في الرياض النضرة ( 2 ) .

وروى السيوطي في الدر المنثور في تفسير قول الله تعالى ( براءة من الله ورسوله ) ، قال : وأخرج ابن حيان وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبا بكر يؤدي عنه براءة ، فلما أرسله بعث إلى علي
فقال : يا علي ، إنه لا يؤدي عني إلا أنا أو أنت ، فحمله على ناقته العضباء ، فسار حتى لحق بأبي بكر فأخذ منه براءة ، فأتى أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد دخله من ذلك مخافة أن يكون قد أنزل فيه شئ ، فلما أتاه قال : ما لي يا رسول الله ( وساق الحديث ) إلى ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يبلغ عني غيري ، أو رجل مني ( 3 ) .

وفي السيرة الحلبية : وفي كلام السهيلي ( في الروض الآنف ) : لما أردف أبو بكر بعلي ، رضي الله تعالى عنهما ، رجع أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله هل نزل في قرآن ؟ قال : لا ، ولكني أردت أن يبلغ عني من هو من
أهل بيتي ، فمضى أبو بكر رضي الله عنه ، فحج بالناس . . . وكان نزول صورة براءة بعد سفر أبي بكر رضي الله تعالى عنه ، فقيل له صلى الله عليه وسلم : لو بعثت بها إلى أبي بكر ، فقال : لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي ، ثم دعا صلى
الله عليه وسلم ، عليا ، كرم الله وجهه في الجنة ، فقال : أخرج بسورة براءة ، وأذن في الناس يوم النحر - أي الذي هو يوم الحج الأكبر - إذا اجتمعوا بمنى ، فقرأ علي بن أبي طالب ،
* هامش *
( 1 ) فضائل الصحابة 2 / 594 ، وانظر 2 / 599 .
( 2 ) المسند 4 / 164 ، تحفة الأشراف 3 / 13 ، الرياض النضرة 2 / 229 .
( 3 ) فضائل الخمسة 2 / 347 . ( * )

كرم الله وجهه ، براءة يوم النحر ، عند الجمرة الأولى ، وقال : لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أمرني علي كرم الله وجهه ، أن أطوف في المنازل من منى ببراءة ، فكنت أصيح حتى
صحل حلقي ، فقيل له : بماذا كنت تنادي ؟ فقال : بأربع ، أن لا يدخل الجنة إلا مؤمن ، وأن لا يحج بعد العام مشرك ، وأن لا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عهد ، فله عهد أربعة شهور ، ثم لا عهد له ، وأول تلك الأربعة يوم النحر من ذلك العام ، وأما من لا عهد له ، فعهده إلى انقضاء المحرم ( 1 ) .

وروى الإمام الطبري في تفسيره عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الموسم سنة تسع ، وبعث علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهما ، بثلاثين أو أربعين آية من ( براءة ) ، فقرأها على
الناس ، يؤجل المشركين أربعة أشهر يسيحون في الأرض ، فقرأ عليهم براءة يوم عرفة ، أجل المشركين عشرين من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول ، وعشرا من ربيع الآخر ، وقرأها عليهم في منازلهم ، وقال : لا يحجن بعد عامنا هذا مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عريان ( 2 ) .

وفي رواية أخرى عن المحرر بن أبي هريرة عن أبيه قال : كنت مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة إلى أهل مكة ، فكنت أنادي حتى صحل صوتي ، فقلت : بأي شئ كنت تنادي ؟ قال : أمرنا أن ننادي : أنه لا يدخل الجنة إلا
مؤمن ، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عهد ، فأجله إلى أربعة أشهر ، فإذا حل الأجل ، فإن الله برئ من المشركين ورسوله ، ولا يطف بالبيت عريان ، ولا يحج بعد العام مشرك ( 3 ) .
 
* هامش *
( 1 ) السيرة الحلبية 3 / 232 .
( 2 ) تفسير الطبري 14 / 100 .
( 3 ) تفسير الطبري 14 / 104 - 105 ، وانظر روايات أخرى 14 / 105 - 107 . ( * )

وفي رواية عن الإمام أبي جعفر محمد الباقر بن علي بن حسين بن علي قال : لما نزلت براءة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان بعث أبا بكر الصديق ، رحمة الله عليه ، ليقيم الحج للناس ، قيل له : يا رسول الله لو بعثت بها إلى أبي بكر
، فقال : لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي ، ثم دعا علي بن أبي طالب ، رحمة الله عليه فقال : أخرج بهذه القصة من سورة ( براءة ) ، وأذن في الناس يوم النحر ، إذا اجتمعوا بمنى : أنه لا يدخل الجنة كافر ، ولا يحج بعد العام مشرك ،
ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عهد فهو إلى مدته ، فخرج علي بن أبي طالب رحمة الله عليه على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء ، حتى أدرك أبا بكر الصديق بالطريق ، فلما رآه أبو بكر
قال : أمير أو مأمور ، قال : مأمور ، ثم مضيا رحمة الله عليهما ، فأقام أبو بكر للناس الحج ، والعرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم في الحج التي كانوا عليها في الجاهلية ، حتى إذا كان يوم النحر ، قام علي بن أبي طالب ، رحمة الله عليه ،
فأذن في الناس بالذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا أيها الناس ، لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ، ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطف بالبيت عريان ، ثم قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ( 1 ) .

وروى ابن كثير في تفسيره : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من غزوة تبوك ، وهم بالحج ، ثم ذكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا الموسم على عاداتهم في ذلك ، وأنهم يطوفون بالبيت عراة ، فكره مخالطتهم ، وبعث أبا بكر الصديق
رضي الله عنه ، أميرا على الحج تلك السنة ليقيم للناس مناسكهم ، ويعلم المشركين أن لا يحجوا بعد عامهم هذا ، وأن ينادي في الناس ( براءة من الله ورسوله ) ، فلما قفل ، أتبعه بعلي بن أبي طالب ، ليكون مبلغا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكونه عصبة له ( 2 ) .
 
* هامش *
( 1 ) تفسير الطبري 14 / 107 - 108 ، وانظر روايات أخرى 14 / 108 - 112 .
( 2 ) تفسير ابن كثير 2 / 519 - 520 ، وانظر : المستدرك للحاكم ( 3 / 51 ) حيث يروي أن النبي أرسل ببراءة أبا بكر وعمر ، ثم بعث علي فأخذها منهما . ( * )

وروى النسفي في تفسيره : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبا بكر على موسم سنة تسع، ثم أتبعه عليا راكبا العضباء، ليقرأها على أهل الموسم ، فقيل له : لو بعثت بها إلى أبي بكر ، فقال : لا يؤدي عني إلا رجل مني ، فلما دنا علي ، سمع
أبو بكر الرغاء فوقف ، وقال : هذا رغاء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما لحقه قال : أمير أو مأمور، قال : مأمور ، فلما كان قبل التروية خطب أبو بكر وحثهم على مناسكهم ، وقام علي يوم النحر ، عند حمرة العقبة فقال : يا أيها الناس ،
إني رسول رسول الله إليكم ، فقالوا : بماذا ، فقرأ عليهم ثلاثين أو أربعين آية ، ثم قال : أمرت بأربع ، أن لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنة إلا كل نفس مؤمنة ، وأن يتم إلى كل ذي عهد عهده ( 1 ) .

وروى المحب الطبري في الرياض النضرة عن علي رضي الله عنه قال : لما نزلت عشر آيات من براءة ، على النبي صلى الله عليه وسلم ، دعا النبي صلى الله عليه وسلم ، أبا بكر ، فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة ، ثم دعاني فقال لي : أدرك
أبا بكر ، فحيثما لقيته فخذ الكتاب ، فاذهب به إلى أهل مكة فاقرأه عليهم ، فلحقته بالجحفة فأخذت الكتاب منه ، ورجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، نزل في شئ ؟ قال : لا ، جبريل جاءني فقال : لا يؤدي عنك ، إلا أنت أو رجل منك ( 2 ) .

ولعل من الجدير بالإشارة هنا أن الفضل المسوق إلى الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه ، وكرم الله وجهه في الجنة - في حديث براءة ، وكذا في غزوة تبوك - إنما سيق إليه عن قصد من سيدنا ومولانا وجدنا محمد رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، امتثل فيه أمرا سماويا تلقاه من ربه ، عن طريق جبريل عليه السلام ، ليكون الإمام علي هو المختار لهذين الموقفين ، لمزية فيه ، لا توجد في
* هامش *
( 1 ) تفسير النسفي 2 / 115 ، وانظر القصة في : تفسير المنار 140 - 141 ، تفسير القرطبي ص 2906 - 2907 .
( 2 ) الرياض النضرة 2 / 226 . ( * )


أحد غيره من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففي بعثه بسورة براءة إلى أهل الموسم ، ونبذه ما كان للمشركين من عهد ، هذا الأمر كان يمكن أن يقوم به أي صحابي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل إن أبا بكر ، أمير الموسم ، كان أحق به وأولى .

غير أن هناك ملحظا خاصا ، لا يتم هذا الأمر إلا به ، ولا يصلح له من الناس ، إلا من كان على وصف خاص ، مهيأ له ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي )، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال لعلي -
عندما اعتذر بأنه ليس لسنا ولا خطيبا - ( لا بد لي أن أذهب بها أنا ، أو تذهب بها أنت ) ، إذن فالأمر لا يقوم به ، إلا أحد رجلين : النبي أو علي ، ذلك لأن العهود والمواثيق التي يعقدها النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما هي مما يحسب في ذمة
الشخص ، يتولاها المرء بنفسه ، أو من هو بمنزلة نفسه ، ومن ثم فقد كان انتداب رجل من أهل البيت النبوي الشريف أمرا لازما ، إذا لم يكن الرسول نفسه هو الذي يقوم به ، وذلك لأن هذه العهود إنما كانت مع قبائل لم تدخل الإسلام بعد .

ومن ثم فإن هذه العقود والمواثيق إنما كانت بين النبي والمشركين ، وبالتالي فإن من تعاقدوا مع النبي من المشركين لا يرضون أن يحلهم من هذه العقود ، إلا من كان طرفا فيها ، أو من يقوم مقامه من خاصة أهله ، ومن هنا كان اختيار الإمام علي لتبليغ آيات سورة براءة .

بل إن المقريزي إنما يذهب إلى أن الإمام علي ، هو الذي عاهد المشركين ، ومن ثم فقد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ، وحتى لو كان النبي صلى الله عليه وسلم ، هو الذي عاهدهم - وهو الأصح طبقا للنصوص - فإن العرب كانت إذا تحالف سيدهم أو رئيسهم مع آخر ، لم ينقض ذلك العهد ، إلا الذي تحالف وأقرب الناس قرابة منه .

وخلاصة الأمر ، أن الإمام علي بن أبي طالب ، كان هو وحده من بين الصحابة جميعا ، الذي هو بمنزلة نفس النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن ثم فقد تكرر في الأحاديث
الشريفة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤدي عني ، إلا أنا وعلي ) ، وحين يعتذر علي بأنه ليس لسنا ولا خطيبا ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ، له ( لا بد لي أن أذهب بها أنا ، أو تذهب بها أنت ) ، وهكذا يضع النبي صلى الله عليه وسلم الإمام بمنزلة نفسه ، أفلا يكون هذا دليلا على أن عليا إنما هو خليفة النبي من بعده ؟ ( 1 ) .

* هامش *
( 1 ) عبد الكريم الخطيب : علي بن أبي طالب - بقية النبوة وخاتم الخلافة - بيروت 1975 ،
محمد بيومي مهران : الإمام علي بن أبي طالب 1 / 76 - 79 ( بيروت 1990 ) .