الجمعة، 30 أغسطس 2013

التوسل وكيفياته




إنّ التوسّل يتصوّر على قسمين :

1ـ تارة نطلب من الله تعالى بحقّ نبيّ أو إمام ، أو عبد صالح ، أن يقضي حوائجنا .
2ـ وتارة نطلب من النبيّ والوصي ، والعبد الصالح ، أن يطلب من الله تعالى قضاء الحوائج .

قال تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا } (1) .
وقال تعالى حكاية عن أولاد يعقوب : { قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (2) .

وربما يقول قائل : إنّ هذا جائز في حال الحياة ، أمّا بعد الممات فلا ، لكونه شركاً بالله تعالى .
فيقال : إنّ الشيء لا ينقلب عمّا هو عليه ، وإذا كان جائزاً ، فلا فرق سواء كان في حياته أو بعد مماته ، إذ أنّ النبيّ آتاه الله الدرجة الرفيعة ، وهو الوسيلة إلى الله في الدنيا والآخرة ، فلا بدع لو توسّل به المؤمن في كلّ يوم ، وقال : يا وجيهاً عند الله اشفع لنا عند الله .
وروي عن عثمان بن حنيف أنّه قال : ( أنّ رجلاً ضرير البصر أتى النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فقال : أدع الله أن يعافيني . فقال (صلى الله عليه وآله) : ( إن شئتَ أخّرت لك وهو خير ، وإن شئتَ دعوت ) . قال : فادعه .
فأمره (صلى الله عليه وآله) أن يتوضّأ فيحسن وضوءه ، ويصلّي ركعتين ، ويدعو بهذا الدعاء : اللهم إنّي أسألك وأتوجّه إليك بمحمّد نبيّ الرحمة ، يا محمّد إنّي توجّهت بك إلى ربّي في حاجة هذه لتقضى ، اللهم شفّعه فيّ .
قال ابن حنيف : فو الله ما تفرّقنا ، وطال بنا الحديث ، حتّى دخل علينا كأن لم يكن به ضرّ ) (3) .
___________
1- النساء : 64 .
2- يوسف : 97 ـ 98 
3- سنن ابن ماجة 1 / 441 ، مسند أحمد 4 / 138 ، مستدرك الحاكم 1 / 313 ، الجامع الصغير 1 / 183 ، المعجم الكبير 9 / 31 ، تاريخ مدينة دمشق 58 / 375 ، سبل الهدى والرشاد 12 / 407 .

الخميس، 15 أغسطس 2013

ما روى فيما أمر به الشيعة من الصبر والكف والانتظار للفرج

  
 
ما روى فيما أمر به الشيعة من الصبر والكف والانتظار للفرج
 
*(وترك الاستعجال بأمر الله وتدبيره) *
1 - حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة الكوفي قال: حدثنا أحمد بن يوسف ابن يعقوب الجعفي أبوالحسن، قال: حدثنا إسماعيل بن مهران قال: حدثنا الحسن ابن علي بن أبي حمزة، عن أبيه ; ووهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: " إنه قال لي أبى(عليه السلام): لابد لنار من آذربيجان، لايقوم لها شئ، و إذا كان ذلك فكونوا أحلاس بيوتكم(1) وألبدوا ما ألبدنا(2)، فإذا تحرك متحركنا فاسعوا إليه ولو حبوا(3)، والله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد، على العرب شديد، وقال: ويل لطغاة العرب من شر قد اقترب ".
2 - حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، عن بعض رجاله، عن علي بن عمارة الكناني(4)، قال: حدثنا محمد بن سنان، عن أبى الجارود، عن أبى جعفر(عليه السلام) قال: قلت له(عليه السلام): " أو صني، فقال: أوصيك بتقوى الله، وأن تلزم بيتك وتقعد في دهماء(5) هؤلاء الناس، وإياك والخوارج منا(6) فإنهم ليسوا على شئ ولا إلى شئ،
___________________________________
(1) الحلس كل ما يوضع على ظهر الدابة، وهو كناية عن السكون وعدم اظهار المخالفة أو الموافقة.
(2) ألبد بالمكان: أقام به، ولبد الشئ بالارض يلبد - بالضم - أى لصق.
(3) أتى حبوا أى على يديه وركبتيه، يعنى أسرعوافى اجابة داعينا بأى وجه ممكن.
(4) كذا، ولعله البكرى المعنون في الجامع.
(5) الدهماء - بفتح الدال المهملة: جماعة الناس، والعدد الكثير.
(6) أى ائمة الزيدية، وساداتهم مثل بنى الحسن(ع).
(*)
[195]
واعلم أن لبنى امية ملكا لا يستطيع الناس أن تردعه(1)، وأن لاهل الحق دولة إذا جاء‌ت ولا ها الله لمن يشاء منا أهل البيت، فمن أدركها منكم كان عندنا في السنام الاعلى(2)، وإن قبضه الله قبل ذلك خار له، واعلم أنه لا تقوم عصابة تدفع ضيما أو تعز دينا إلا صرعتهم المنية والبلية(3) حتى تقوم عصابة شهدوا بدرا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لا يواري قتيلهم، ولا يرفع صريعهم(4) ولا يداوى جريحهم، قلت: من هم؟ قال: الملائكة ".
3 - وأخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثني علي بن الحسن التيملي قال: حدثنا الحسن ومحمد ابنا علي بن يوسف، عن أبيهما، عن أحمد بن على الحلبي، عن صالح بن أبى الاسود، عن أبى الجارود قال: سمعت أبا جعفر(عليه السلام) يقول: " ليس منا أهل الب‍؟ ت أحد يدفع ضيما ولا يدعو إلى حق إلا صرعته البلية حتى تقوم عصابة شهدت بدرا، لا يوارى قتيلها، ولا يداوى جريحها.
- قلت: من عنى [ابوجعفر(عليه السلام)] بذلك؟ قال: الملائكة - ".
4 - حدثنا محمد بن همام ; ومحمد بن الحسن بن محمد بن جمهور جميعا، عن الحسن ابن محمد بن جمهور، عن أبيه، عن سماعة بن مهران، عن أبى الجارود، عن القاسم بن الوليد الهمداني، عن الحارث الاعور الهمداني قال: قال أمير المؤمنين(عليه السلام) على المنبر: " إذء هلك الخاطب(5) وزاغ صاحب العصر، وبقيت قلوب تتقلب [ف‍] من مخصب
___________________________________
(1) أى رده عنهم.وفى بعض النسخ " نزعه ".
(2) اى في المقام الرفيع، والسنام هو أعلى كل شئ.
(3) الضيم - الظلم، والمنية: الموت، وصرعه صرعا وصراعا أى طرحه على الارض.
(4) قال العلامة المجلسى(ره): قوله " قتيلهم " أى الذين يقتلهم تلك العصابة، و الحاصل أن من يقتلهم الملائكة لا يوارون في التراب، ولا يرفع من صرعوهم، ولا يقبل الدواء من جرحوهم - انتهى، وأقول: الظاهر أنه ليس فيهم - أعنى تلك العصابة - قتيل ولا صريع ولا جريح حتى يحتاج إلى الدفن او الرفع أو التداوى، ويؤيد ذلك ما يأتى تحت رقم 4.
(5) لعل المراد بالخاطب الطالب للخلافة، أو الخطيب الذى يقوم بغير الحق، أو بالحاء المهملة أى جالب الحطب.
(*)
[196]
ومجدب، هلك المتمنون، واضمحل المضمحلون، وبقي المؤمنون، وقليل ما يكونون ثلاثمائه أو يزيدون، تجاهد(1) معهم عصابة جاهدت مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم بدر، لم تقتل ولم تمت ".
معنى قول أمير المؤمنين(عليه السلام) " وزاغ صاحب العصر " أراد صاحب هذا الزمان الغائب الزائغ عن أبصار هذا الخلق لتدبير الله الواقع.
ثم قال: " وبقيت قلوب تتقلب فمن مخصب ومجدب " وهي قلوب الشيعة المتقلبة عند هذه الغيبة(2) والحيرة، فمن ثابت منها على الحق مخصب، ومن عادل عنها إلى الضلال وزخرف المقال مجدب.
ثم قال " هلك المتمنون " ذما لهم وهم الذين يستعجلون أمر الله ولا يسلمون له، ويستطيلون الامد فيهلكون قبل أن يروا فرجا، ويبقي الله من يشاء أن يبقيه من أهل الصبر والتسليم حتى يلحقه بمرتبته، وهم المؤمنون، وهم المخلصون القليلون الذين ذكر(عليه السلام) انهم ثلاثمائة أو يزيدون ممن يؤهله الله بقوة إيمانه وصحة يقينه لنصرة وليه(عليه السلام) وجهاد عدوه، وهم كما جاء‌ت الرواية عما له وحكامه في الارض عند استقرار الدار به ووضع الحرب أو زارها، ثم قال أمير المؤمنين(عليه السلام) " تجاهد معهم عصابة جاهدت(3) مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم بدر، لم تقتل ولم تمت " يريد أن الله عزوجل يؤيد أصحاب القائم(عليه السلام) هؤلاء الثلاثمائة والنيف الخلص بملائكة بدر، وهم أعدادهم، جعلنا الله ممن يؤهله لنصرة دينه مع وليه(عليه السلام)، وفعل بنا في ذلك ما هو أهله.
5 - أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا حميد بن زياد الكوفي، قال: حدثنا علي بن الصباح ابن الضحاك، عن جعفر بن محمد بن سماعة، عن سيف التمار، عن أبى المرهف قال: قال أبوعبدالله(عليه السلام): " هلكت المحاضير - قال: قلت: وما المحاضير،
___________________________________
(1) في بعض النسخ " تجالد معهم عصابة جالدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر " وجالد بالسيف: ضارب به.
(2) في بعض النسخ " المتقلبة عن هذه الغيبة ".
(3) في بعض النسخ " تجالد معهم عصابة جالدت - الخ ".
(*)
[197]
قال: المستعجلون - ونجا المقربون(1)، وثبت الحصن على أوتادها، كونوا أحلاس بيوتكم، فإن الغبرة على من أثارها(2)، وإنهم لا يريدونكم بجائحة إلا أتاهم الله بشاغل إلا من تعرض لهم "(3).
6 - حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثني يحيى بن زكريا بن شيبان، قال: حدثنا يوسف بن كليب المسعودي، قال: حدثنا الحكم بن سليمان، عن محمد بن كثير، عن أبي بكر الحضرمي قال: " دخلت أنا وأبان على أبي عبدالله(عليه السلام) وذلك حين ظهرت الرايات السود بخراسان، فقلنا: ما ترى؟ فقال: اجلسوا في بيوتكم، فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فانهدوا إلينا بالسلاح "(4).
7 - وحدثنا محمد بن همام قال: حدثني جعفر بن محمد بن مالك الفزاري، قال: حدثني محمد بن أحمد، عن علي بن أسباط، عن بعض أصحابه، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنه قال: " كفوا ألسنتكم والزموا بيوتكم، فإنه لا يصيبكم أمر تخصون به أبدا ويصيب العامة(5) ولا تزال الزيدية وقاء لكم أبدا ".
8 - وحدثنا علي بن أحمد قال: حدثنا عبيد الله بن موسى العلوي، عن محمد ابن موسى، عن أحمد بن أبي أحمد(6)، عن محمد بن علي، عن علي بن حسان، عن
___________________________________
(1) المحاضير: جمع المحضير وهو الفرس الكثير العدو، والمقربون - بكسر الراء مشددة - اى الذين يقولون الفرج قريب ويرجون قربه أو يدعون لقربه.
أو بفتح الراء أى الصابرون الذين فازوا بالصبر بقربة تعالى.(البحار) وفى بعض النسخ " المقرون ".
(2) في بعض النسخ " الفتنة على من أثارها " أى يعود ضررها إلى من أثارها أكثر من ضرره إلى غيره كما أن بالغبار يتضرر مثيرها أكثر من غيره.
(3) في بعض النسخ " لامر يعرض لهم "، والجائحة: النازلة.
(4) نهد إلى العدو ينهد - بالفتح - أى نهض.(الصحاح).
(5) في بعض النسخ " ويصيب الغلمة ولا تزال وقاء لكم " بدون كلمة " الزيدية "، وهى - بالكسر - جمع غلام.
وفى بعض النسخ " ولا يصيب العامة " بزيادة " لا ".
(6) كذا ولعله أحمد بن أبى أحمد الوراق الجرجانى الاتى.
(*)
[198]
عبدالرحمن بن كثير قال: كنت عند أبى عبدالله(عليه السلام) يوما وعنده مهزم الاسدي، فقال: " جعلني الله فداك متى هذا الامر [الذي تنتظرونه؟] فقد طال [علينا] فقال: [يامهزم] كذب المتمنون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلمون، وإلينا يصيرون ".
9 - علي بن أحمد، عن عبيدالله بن موسى العلوي، قال: حدثنا على بن الحسن، عن علي بن حسان، عن عبدالرحمن بن كثير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في قول الله عزوجل " أتى أمر الله فلا تستعجلوه "(1) قال: هو أمرنا، أمر الله عز وجل أن لا تستعجل به حتى يؤيده [الله] بثلاثة [أجناد]: الملائكة، والمؤمنين، والرعب، وخروجه(عليه السلام) كخروج رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وذلك قوله تعالى: " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق "(2).
10 - أخبرنا محمد بن همام ; ومحمد بن الحسن بن محمد بن جمهور جميعا، عن الحسن ابن محمد بن جمهور، عن أبيه، عن سماعة بن مهران، عن صالح بن ميثم ; ويحيى بن سابق(3) جميعا عن أبى جعفر الباقر(عليه السلام) أنه قال: " هلك أصحاب المحاضير، ونجا المقربون، وثبت الحصن على أوتادها، إن بعد الغم فتحا عجيبا ".
11 - وحدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة قال: حدثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي قال: حدثنا إسماعيل بن مهران، قال: حدثنا الحسن بن علي ابن أبي حمزة، عن الحكم بن أيمن، عن ضريس الكناسي، عن أبى خالد الكابلي، قال: قال علي بن الحسين(عليهما السلام): " لو ددت أنى تركت فكلمت الناس ثلاثا، ثم قضى الله في ما أحب، ولكن عزمة من الله أن نصبر، ثم تلى هذه الآية " ولتعلمن نبأه بعد حين(4) " ثم تلا أيضا قوله تعالى " ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم
___________________________________
(1) النحل: 1.
(2) الانفال: 5.
(3) في بعض النسخ " صالح بن نبط ; وبكر بن المثنى ".
(4) ص: 88.
(*)
[199]
الامور "(1).
12 - علي بن أحمد قال: حدثنا عبيد الله بن موسى العلوي، عن علي بن إبراهيم ابن هاشم، عن علي بن إسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبى الطفيل، عن أبي جعفر محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين(عليهم السلام): أن ابن عباس بعث إليه من يسأله عن هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا(2) " فغضب علي بن الحسين(عليهما السلام) وقال للسائل: وددت أن الذي أمرك بهذا واجهني به، ثم قال: نزلت في أبي وفينا ولم يكن الرباط الذي امرنا به بعد وسيكون ذلك ذرية من نسلنا المرابط، ثم قال: أما إن في صلبه يعني ابن عباس - وديعة ذرئت لنار جهنم، سيخرجون أقواما من دين الله أفواجا، وستصبغ الارض بدماء فراخ من فراخ آل محمد(عليهم السلام) تنهض تلك الفراخ في غير وقت، وتطلب غير مدرك، ويرابط الذين آمنو ويصبرون ويصابرون حتى يحكم الله، وهو خير الحاكمين ".
13 - حدثنا علي بن أحمد، عن عبيد الله بن موسى، عن هارون بن مسلم، عن القاسم بن عروة، عن بريد بن معاوية العجلي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر(عليهما السلام) في قوله عزوجل: " اصبروا وصابروا ورابطوا " فقال: اصبروا على أداء الفرائض، وصابروا عدوكم، ورابطوا إمامكم [المنتظر] ".
14 - حدثنا محمد بن همام قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك قال: حدثني أحمد بن علي الجعفي، عن محمد بن المثني الحضرمي، عن أبيه، عن عثمان بن زيد(3) عن جابر، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر(عليهما السلام) قال: " مثل خروج القائم منا أهل البيت كخروج رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ومثل من خرج منا أهل البيت قبل قيام القائم مثل فرخ طار فوقع من وكره(4) فتلا عبت به الصبيان ".
___________________________________
(1) آل عمران: 186.
(2) آل عمران: 200.
(3) عثمان بن زيد بن عدى الجهنى كان من أصحاب أبى عبدالله عليه السلام.
(4) في منقوله في البحار " ووقع في كوة فتلاعب به الصبيان ".
(*)
[200]
15 - حدثنا على بن أحمد، عن عبيد الله بن موسى، عن أحمد بن الحسين(1)، عن علي بن عقبة، عن موسى بن أكيل النميرى، عن العلاء بن سيابة، عن أبي - عبدالله جعفر بن محمد(عليهما السلام) أنه قال: " من مات منكم على هذا الامر منتظرا كان كمن هو في الفسطاط الذي للقائم(عليه السلام) "(2).
16 - حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ابن عقدة قال: حدثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفى أبوالحسن، قال: حدثنا إسماعيل بن مهران، قال: حدثنا الحسن ابن علي بن أبي حمزة، عن أبيه ; ووهيب بن حفص، عن أبى بصير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنه قال ذات يوم: " ألا اخبركم بما لا يقبل الله عزوجل من العباد عملا إلا به؟ فقلت: بلى، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده [ورسوله] والاقرار بما أمر الله، والولاية لنا، والبراء‌ة من أعدائنا - يعني الائمة خاصة - والتسليم لهم، والورع والاجتهاد والطمأنينة، والانتظار للقائم(عليه السلام)، ثم قال: إن لنا دولة يجيئ الله بها إذا شاء.
ثم قال: من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الاخلاق، وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الاجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا(3) هنيئا لكم أيتها العصابة المرحومة ".
17 - على بن أحمد، عن عبيد الله بن موسى العلوي، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن منخل بن جميل، عن جابر بن يزيد، عن أبى جعفر الباقر(عليه السلام) أنه قال: " اسكنوا ما سكنت السماوات والارض - أي لا تخرجوا على أحد - فإن أمركم ليس به خفاء، ألا إنها آية من الله عزوجل ليست من الناس(4)
___________________________________
(1) الظاهر هو أحمد بن الحسين بن سعيد بن عثمان أبوعبدالله القرشى.وفي بعض النسخ " أحمد بن الحسن " وكأنه احمد بن الحسن بن على بن فضال.
(2) في بعض النسخ " كان كمن في فسطاط القائم عليه السلام ".
(3) في بعض النسخ " فجدوا تعطوا، هنيئا، هنيئا ".
(4) في بعض النسخ " آية من الله عزوجل جعلها بين الناس ".
(*)
[201]
ألا إنها أضوء من الشمس لاتخفى على بر ولا فاجر، أتعرفون الصبح؟ فإنها كالصبح ليس به خفاء ".
انظروا - رحمكم الله - إلى هذا التأديب من الائمة(عليهم السلام) وإلى أمرهم ورسمهم في الصبر والكف والانتظار للفرج، وذكرهم هلاك المحاضير والمستعجلين وكذب المتمنين، ووصفهم نجاة المسلمين، ومدحهم الصابرين الثابتين، وتشبيههم إياهم(1) على الثبات بثبات الحصن على أوتادها، فتأدبوا - رحمكم الله - بتأديبهم، وامتثلوا أمرهم، وسلموا لقولهم، ولا تجاوزوا رسمهم، ولا تكونوا ممن أردته الهواى والعجلة، ومال به الحرص عن الهدى والمحجة البيضاء، وفقنا الله وإياكم لما فيه السلامة من الفتنة، وثبتنا وإياكم على حسن البصيرة، وأسلكنا وإياكم الطريق المستقيمة الموصلة إلى رضوانه المكسبة سكنى جنانه مع خيرته وخلصائه بمنه وإحسانه.
 

دلالات خطيرة لأقوال الحميراء بعد استشهاد سيّد الأوصياء (ع)


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


وصلّى الله على علّة الوجود النبيّ الأعظم محمّد وعلى أهل بيته الطّاهرين ولعنة الله تعالى جاحدي إمامتهم ومبغضيهم ومنكري فضائلهم ومخالفيهم إلى قيام يومالدّين لا سيّما صنمي قريش أبو بكر وعمر وابنتيهما عائشة وحفصة وأتباعهم.

يا وَلِيَّ اللهِ إِنَّ لي ذُنُوبًا كَثيرةً فَاشْفَعْ لي إلى رَبِّكَ، فَإنَّ لَكَ عِنْدَ اللهِ مَقامًا مَعْلُومًا، وَإنَّ لَكَ عِنْدَ اللهِ جاهًا وَشَفاعةً، وَقَدْ قالَ اللهُ تَعالى: (وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى).

تمهيد
قال تعالى: "مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون"(1).
وفي تأويل هذه الآية الشريفة يقول السيّد شرف الدّين الحسيني الاسترآبادي رضي الله عنه في تفسيره:
"لهذه الآية تأويل ظاهر وباطن: فالظاهر ظاهر، وأما الباطن فهو: ما رواه محمد بن خالد البرقي عن الحسين بن سيف عن أخيه عن أبيه عن سالم بن مكرم عن أبيه قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: في قول الله عز وجل: (كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ) قال: هي الحميراء. 
معنى هذا التأويل: إنما كنّي عنها بالعنكبوت لأنّ العنكبوت حيوان ضعيف اتخذت بيتا ضعيفا أوهن البيوت وأضعفها لا يجدي نفعا ولا ينفي ضررا، وكذلك الحميراء حيوان ضعيف لقلّة حظّها وعقلها ودينها، اتّخذت من رأيها الضّعيف وعقلها السّخيف - في مخالفتها وعداوتها لمولاها - بيتاَ مثل بيت العنكبوت في الوهن والضعف لا يجدي لها نفعا، بل يجلب عليها ضررا في الدنيا والآخرة لأنها بَنَتْه (عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ) بها في نار جهنم هي ومن أسّس لها بنيانه لها أركانه وعصى في ذلك ربّه وأطاع شيطانه واستغوى لها جنوده وأعوانه، فأوردهم حميم السّعير ونيرانه، وذلك جزاء الظّالمين والحمد لله رب العالمين"(2).

مثالب الحميراء بنت عتيق بن أبي قحافة لعنها الله تعالى، ملئت كتب الحديث والسّيرة والتاريخ عند الملّتين الإسلاميّة المحمّديّة والبكريّة إلّا أنّ بعض مثالبها لا يعرفه بعض المسلمين وجمع من الطّائفة البكريّة، ومن مثالبها لعنها الله تعالى هي ما فعلته بعد أن وردها نبأ استشهاد سيّد الأوصياء علي بن أبي طالب عليهما السّلام.
لنرى ماذا فعلت هذه الملعونة.

عائشة لعنها الله تعالى تسجد لربّها شكراً وتتغنّى وتضحك لمّا سمعت بمقتل أمير المؤمنين (ع) وتمدح قاتله ابن ملجم
- روى ابن سعد (230هـ) في طبقاته والبلاذري (279هـ) في تاريخه وابن جرير الطّبري (313هـ) في تاريخه ومسكويه الرازي (421هـ) في تاريخه وابن الأثير (630هـ) في تاريخه وأشار إلى الأبيات ابن الطقطقا (709هـ) في تاريخه:
"لما انتهى إلى عائشة قتل علي رضي الله عنه قالت: 
فألقت عصاها واستقرت بها النّوى ** كما قرّ عيناً بالإياب المسافرُ
فمن قتله؟ فقيل رجل من مراد فقالت: 
فإن يك نائيا فلقد نعاه ** غلام ليس في فيه التراب
فقالت زينب ابنة أبي سلمة: ألعلي تقولين هذا؟ فقالت: إنّي أنسى فإذا نسيت فذكّروني. وكان الذي ذهب بنعيه سفيان بن عبد شمس بن أبي وقاص الزهري"(3).

كما أنّ عائشة لعنها الله تعالى لم تكتفِ بذلك بل سجدت لله شكراً على مقتل أمير المؤمنين عليه السّلام؛ فقد روى أبو الفرج الأصفهاني (356هـ) وابن شدقم (1082هـ) عن أبي البحتري، قال: 
"لما أن جاء عائشة قتل علي (ع) سجدت"(4).

والأدهى والأمرّ من ذلك أنّ الحميراء الملعونة ضحكت عندما سمعت بمقتل أمير المؤمنين عليه السّلام؛ فقد روى الزبير بن بكار (256هـ) بسنده عن زينب أبي سلمة قالت: 
"كنت يوما عند عائشة ابنة أبي بكر الصديق زوج النبيّ (ص) فإني لعندها إذ دخل رجل مُعتّمٌ، عليه أثرُ السَفَر فقال: قُتل علي بن أبي طالب (ع) فقالت عائشة:
إنْ تـكُ نـاعيـاً فلقد نعـاه ** نَعيٌ ليـس في فيـه التراب
ثمّ قالت: من قتله؟ قالوا: رجل من مراد. 
قالت: رُبَّ قتيلِ الله بيدَي رجل من مراد.
قالت زينب: فقلتُ سبحان الله يا أمَّ المؤمنين، أتقولين مثلَ هذا لعليٍّ في سابقتهِ وفضلهِ؟ فضحكت وقالت: بسم الله، إذا نسيتُ فذكّريني"(5).

الحميراء لعنها الله بعد أن بلغها نبأ استشهاد سيّد الأوصياء عليه السّلام
- روى ابن عبد البرّ النمري (463هـ)، ومحبّ الدّين الطبري (694هـ)، وصلاح الدّين الصفدي (764هـ) والتاهساني البرّي (القرن السابع الهجري) عن ابن قتيبة الدينوري (276هـ) وحسين الدّيار بكري (966هـ) في تاريخه:
"قالت عائشة لمّا بلغها قتل عليّ: لتصنع العرب ما شاءت فليس لها أحد ينهاها"(6).
وقول عائشة بعد أن بلغها نبأ استشهاد أمير المؤمنين عليه السّلام، يدلّ على أمر خطير، سنناقشه في النتائج التاليّة.

من خلال هذه المصادر المستفيضة الّتي تثبت أنّ الحميراء ضحكت واستبشرت وسجدت لربّها شكرًا عندما جاءها نبأ مقتل واستشهاد سيّد الأوصياء عليه السّلام؛ بل ومدحت قاتله الملعون، وقالت قولها الخبيث: "لتصنع العرب ما شاءت فليس لها أحد ينهاها".
نخلص إلى عدّة نتائج، أهمّها:
1- فرح واستبشار الملعونة ابنة الملعون عائشة بنت عتيق بن أبي قحافة لعنهم الله بمقتل سيّد الأوصياء عليه السّلام يوضّح أنّها منافقة بنصّ الحديث المتواتر عند الفريقين عن المولى أمير المؤمنين عليه السّلام قال: "والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة أنّه لعهد النبيّ الأميّ إلي أنّه لا يحبّني إلّا مؤمن ولا يبغضني إلّا منافق"(7)، والمنافقة ملعونة من قبل الله تعالى ولها نار جهنّم خالدةً فيها؛ لقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز: "وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيم"(8).

2- قول الملعونة عائشة لما بلغها قتل أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام: "لتصنع العرب ما شاءت فليس لها أحد ينهاها" مريب جدّاً؛ فالإمام علي عليه السّلام لا شكّ أو ريب كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وقد كان سلام الله عليه يحارب أصحاب الفحشاء والمنكر وكلّ داعٍ إلى حرام، وكان سدّاً منيعاً أمام ما يريده أهل المنكر والبغي والفساد؛ فقول الملعونة السالف ما هي إلّا دعوة صريحة في نشر المنكرات والفواحش والفساد؛ فبعد أن زال السدّ المنيع أمام أهل المنكر - استشهاد أبي الحسن عليه السّلام- أصبح الطريق ممهّداً لكلّ خبيث في أن يفعل ما يشاء من محرّمات وعلى رأسهم الملعونة عائشة.
ولا نستغرب ذلك من الحميراء؛ فبعد أن  ثبت نفاق عائشة لعنها الله تعالى؛ فهي فاسقة تأمر بالمنكر بنصّ القرآن الكريم أيضا حيث يقول الجبّار عزّ وجل: "الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُون"(9). 
فالّذي يدعو النّاس إلى ممارسة المنكرات والفواحش والفساد لا بدّ أنّه قام بفعلها وممارستها كعائشة لعنها الله؛ فالآية الكريمة المنطبقة عليها في أنّها منافقة، فاسقة، تأمر بالمنكر، وسيرتها العفنة كإدخال الرّجال عليها بدعوى رضاع الكبير(!!) بل وكانت تأمر أخواتها أن يفعلنّ فعلها الفاحش(10)، وتشويفها للجواري(11) بغرض اصطياد شباب قريش(12)، وغيره من الفساد الّذي كانت تفعله عائشة، وتأمر النّاس به كما بيّنا ذلك؛ فلا يستعبد منها -بل عندي- أنّها قد وقعت بالفاحشة وعملت المنكرات والفواحش بعد قتلها للرّسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في المدينة المنوّرة وفي طريق البصرة مع معشوقها الأوّل طلحة وقد كانت في المدينة المنوّرة والإمام أبي الحسن (عليه السّلام) في الكوفة وصفى لها الأمر أكثر في ممارسة فسادها بكلّ حريّة بعد إستشهاد وصيّه أمير المؤمنين (عليه السّلام).

* وهنا ملاحظة مهمّة لا بدّ منها:
عندنا أدلّة كثيرة في ثبوت هذا الأمر عليها منها ما ذكرناه في هذا البحث ويوجد تفصيل أوسع لسنا هنا في محلّ طرحه بالتفصيل لكن على سبيل الإجمال أدلّتنا تعتمد على القرآن الكريم وخصوصًا سورة التحريم وما فيها من قرائن داخليّة، وأيضاً تفسير هذه السّورة المباركة بالإعتماد على الروايات المعتبرة في الكافي الشّريف، وتفسير القمّي المعتبر، وبحار الأنوار، والهداية الكبرى للخصيبي، وسيرتها العفنة من مصادر الحديث عند أعدائنا البكريين، ومصادر التاريخ والسيرة الّتي رويناها في مصادرنا المعتبرة كبحار الأنوار ورواها العدو في كتبه. وما ذكرناه في هذا الموضوع إلّا أحد الأدلة المتضافرة على ثبوت ذلك.
ونقول إنّ فعلها للفاحشة قد ثبت عندنا وقد كان منها ذلك بعد قتلها للنبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) كما ثبت عندنا أنّها طُلّقت من أمير المؤمنين (عليه السّلام)، بنصّ مولانا الإمام الحجّة (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف)  في أجوبته على مسائل سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمّي (رضي الله عنه) - وهو مارواه أعلامنا: الصّدوق والطبري الشيعي والطبرسي والمجلسي (رضي الله عنهم) وصحّح لقاء الأشعري القمّي بالإمامين العسكري والحجّة (عليهما السّلام) الشيّخ الصدوق والعلّامة المجلسي (رضي الله عنهما) فقد قال مولانا وإمام زماننا الإمام الحجّة بن الحسن (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف) في أجوبة مسائل سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمّي (رض) -في حديثه مع الإمام الحجّة عليه السّلام- قال:
"نظر إليَّ مولانا أبو محمد عليه السلام فقال: ما جاء بك يا سعد؟ فقلت : شوّقني أحمد بن إسحاق على لقاء مولانا. قال: والمسائل التي أردت أن تسأله عنها؟ 
قلت: على حالها يا مولاي، قال: فسل قرّة عيني - وأومأ إلى الغلام - فقال لي الغلام: سل عمّا بدا لك منها، فقلت له: مولانا وابن مولانا إنا روينا عنكم أن رسول الله صلى الله عليه وآله جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين عليه السلام حتى أرسل يوم الجمل إلى عائشة: "إنك قد أرهجت على الإسلام وأهله بفتنتك، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك، فإن كففت عنّي غربك وإلّا طلقتك"، ونساء رسول الله صلى الله عليه وآله قد كان طلاقهن وفاته، قال: ما الطلاق؟
قلت: تخلية السّبيل، قال: فإذا كان طلاقهن وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله قد خليت لهن السبيل فلم لا يحل لهن الأزواج؟ 
قلت: لأنّ الله تبارك وتعالى حرّم الأزواج عليهن، قال: كيف وقد خلى الموت سبيلهن؟ 
قلت: فأخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوّض رسول الله صلى الله عليه وآله حكمه إلى أمير المؤمنين عليه السلام، قال: إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبي صلى الله عليه وآله فخصّهنّ بشرف الأمهات، فقال رسول الله: يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق لهن ما دمن الله على الطاعة، فأيّتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج وأسقطها من شرف أمومة المؤمنين"(13).

وهو ما يثبت بل ثبت أنّها بائنة عن رسول الله بالإرتداد بخروجها على إمامها أبي الحسن (عليه السّلام) والتطليق الّذي طلّقها إيّاه أمير المؤمنين (عليه السّلام) فلا وجه للقول بأنّ التعرّض لعرض الملعونة عائشة هو تعرّض للرسول الأعظم (صّلى الله عليه وآله) ولا وجه أيضًا لما يدّعيه المستشكلون في أنّها أمًّا للمؤمنين لقول الله عزّ وجل: "النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ"(14)؛  لأنّا نقول وعلى الله تعالى التوكّل ومن ورسوله وأهل بيته الميامين التوفيق:
لنرجع إلى تفاسير أصحاب الدّين البكري ليتّضح تفسير الآية الكريمة ومعناها، ثمّ نخلص إلى نتيجة بعد عرض أقوال علماء البكريّة.
- قال إبن جرير الطبري(313هـ) في تفسيره: 
حدثنا بشر، قال ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة، قال في بعض القراءة: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وذكر لنا أن نبي الله (ص) قال: أيما رجل ترك ضياعا فأنا أولى به، وإن ترك مالا فهو لورثته. وقوله: (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) يقول: وحرمة أزواجه حرمة أمهاتهم عليهم، في أنهن يحرم عليهن نكاحهن من بعد وفاته، كما يحرم عليهم نكاح أمهاتهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل(15).

- قال محمد بن عبد الله بن أبي زمنين(399هـ) في تفسيره: 
(النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ) تفسير مجاهد: يعني: هو أبوهم، (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) أي: هن في التحريم مثل أمهاتهم. يحيى: عن سفيان الثوري، عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة: أن امرأة قالت لها: يا أمه. فقالت: لست لك بأم؛ إنّما أنا أم رجالكم(16).

- قال الحسين بن مسعود البغوي(510هـ) في تفسيره: 
(وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) وهو لهم وهن أمهات المؤمنين في تعظيم حقهن وتحريم نكاحهن على التأييد لا في النظر إليهن والخلوة بهن فإنه حرام في حقهن كما في حق الأجانب قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ) ولا يقال لبناتهن هن أخوات المؤمنين ولا لأخوانهم وأخواتهن هم أخوال المؤمنين وخالاتهم قال الشافعي تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر وهي أخت أم المؤمنين ولم يقل هي خالة المؤمنين واختلفوا في أنهن هل كن أمهات النساء المؤمنات قيل كن أمهات المؤمنين والمؤمنات جميعا وقيل كن أمهات المؤمنين دون النساء وروى الشعبي عن مسروق أن امرأة قالت لعائشة: يا أمه. فقالت: لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم؛ فبان بهذا معنى هذه الأمومة تحريم نكاحهن(17).

- قال جار الله الزمخشري(538هـ) في تفسيره:
(وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) تشبيه لهن بالأمهات في بعض الأحكام وهو وجوب تعظيمهن واحترامهن وتحريم نكاحهن، قال الله تعالى: (وَلاَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا) وهن فيما وراء ذلك بمنزلة الأجنبيات ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: لسنا أمهات النساء، تعنى أنهن إنّما كنّ أمّهات الرجال لكونهنّ محرّمات عليهم كتحريم أمهاتهم، والدليل على ذلك أن هذا التحريم لم يتعد إلى بناتهن وكذلك لم يثبت لهن سائر أحكام الأمهات(18).

- قال ابن العربي المالكي(543هـ) في تفسيره: 
(وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) اختلف الناس هل هن أمهات الرجال والنساء أم هن أمهات الرجال خاصة على قولين فقيل ذلك عام في الرجال والنساء وقيل هو خاص للرجال لأن المقصود بذلك إنزالهن منزلة أمّهاتهم في الحُرمة حيث يتوقّع الحل والحل غير متوقّع بين النساء فلا يحجب بينهن بحرمة.
وقد روي أن امرأة قالت لعائشة: يا أماه. فقالت: لست لك بأم إنّما أنا أم رجالكم وهو الصحيح(19).

- قال ابن عطية الأندلسي(546هـ) في تفسيره:
وقال بعض العلماء العارفين هو أولى بهم من أنفسهم لأن أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك وهو يدعوهم إلى النجاة. قال الفقيه الإمام القاضي ويؤيد هذا قوله عليه السلام أنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها تقحم الفراش وشرّف تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأن جعلهن أمّهات المؤمنين في حرمة النكاح وفي المبرّة وحجبهن رضي الله عنهن بخلاف الأمهات قال مسروق قالت امرأة لعائشة رضي الله عنها: يا أمه. فقالت: لست لك بأم وإنما أنا أم رجالكم(20).

- قال ابن الجوزي الحنبلي(597هـ) في تفسيره: 
قوله تعالى: (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) أي: في تحريم نكاحهن على التأبيد، ووجوب إجلالهن وتعظيمهن، ولا تجري عليهن أحكام الأمهات في كل شيء، إذ لو كان كذلك لما جاز لأحد أن يتزوج بناتهن، ولورثن المسلمين، ولجازت الخلوة بهن.
وقد روى مسروق عن عائشة أن امرأة قالت: يا أماه، فقالت: لست لك بأم، إنما أنا أم رجالكم، فبان بهذا الحديث أن معنى الأمومة تحريم نكاحهن فقط(21).

- قال عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي الشافعي(610هـ) في تفسيره: 
(وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) في حرمة نكاحين وتعظيم حقوقهن دون النفقة والميراث، وفي إباحة النظر إليهن مذهبان هذا في اللّائي مات عنهن، وفي إلحاقه مطلقاته بمن مات عنهن ثلاثة مذاهب يفرق في الثلاث بين من دخل بهن ومن لم يدخل بهن وهل هن أمهات مؤمنات كالرجال فيه مذهبان، قالت امرأة لعائشة: يا أمة فقالت: لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم(22).

- قال عبد الله بن عمر البيضاوي(682هـ) في تفسيره:
(وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) منزلات منزلتهن في التحريم واستحقاق التعظيم وفيما عدا ذلك فكما الأجنبيات. ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: لسنا أمّهات النّساء(23).

فإذًا اتّضح مما عرضناه أنّ معنى الآية الشّريفة: "وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ"، هو بيان حكم إلهي تشريعي في أنّ أزواج النبيّ لا يحقّ لهنّ الزواج من بعده وهنّ محرّمات على سائر المسلمين، وحتّى هذا الحكم خالفه عتيق ابن أبي قحافة لعنه الله كما سنذكره في ترجمة زوج النبيّ قتيلة بنت قيس لعنها الله، ودعوى احترامهنّ هو منوط بتقواهنّ وتمسكهنّ بدينهنّ، يقول تعالى: "يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ" فمن ارتدّت أو عصت الله تعالى أو أتت بالموبقات فلا كرامة لها لدينا كالملعونتين عائشة وحفصة. 
يقول عزّ وجل: "يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا"؛ وروى محمّد بن سعد(230هـ) في طبقاته بسنده عن عطاء بن يسار: "أنّ النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلم قال لأزواجه: أيّكنّ اتّقت الله ولم تأت بفاحشة مبيّنة ولزمت ظهر حصيرها فهي زوجتي في الآخرة"(24)، وروى ابن سعد أيضاً بسنده عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع:
أنّ رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، قال لنسائه في حجّة الوداع: "هذه الحجّة ثم ظهور الحصر"(25).
وروى عبد الرزّاق الصنعاني في مصنّفه بسند صحيح عن زيد بن أسلم "أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم حجّ بنساءه حجة الوداع، ثمّ قال: إنمّا هي هذه، ثم ظهور الحصر. يقول: الزمن ظهور الحصر في بيوتكن"(26).
وقالت أم المؤمنين أم سلمة (رضي الله عنها) قال لنا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم في حجة الوداع: (هي هذه الحجة ثم الجلوس على ظهور الحصر في البيوت)"(27).
وعليه نقول:
أنّ الملعونة عائشة بالقطع واليقين لم تتّق الله تعالى في دماء المسلمين وخالفت قوله تعالى: "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى" وتبرّجن تبرّج الجاهليّة الأولى وفعلت الفواحش من إداخال الرجال الأجانب عليها وجعلهم يرتضعون منها.
ولم تلزم ظهر حصيرها كما أمرها رسوله فهي بائنة منه ولا كرامة لها فدعوى أنّه يجب إحترامها لأنّها عرض للنبيّ الأعظم واضحة البطلان كما أثبتنا وهذا على سبيل الإيجاز لا التفصيل(28).

3- عدوّة أهل البيت عائشة لعنها الله كانت في معركة الجمل تريد قتل أمير المؤمنين عليه السّلام، لكنّها لم تفلح بعد أن هزمها علي عليه السّلام، وبعد أربع سنوات من معركة الجمل تمكّن عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله تعالى في أن يغتال الإمام عليه السّلام غدراً في محراب الصّلاة، وعندما علمت عائشة بذلك  فرحت وضحكت وسجدت لربّها شكراً(!!) ومدحت القاتل المرادي لعنه الله فتكون بذلك شاركت في قتل الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام. لأنّ مولانا الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: "إذا أردت أن تعلم أن فيك خيرا فانظر إلى قلبك فإن كان يحب أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته ففيك خير والله يحبك، وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحب أهل معصيته، فليس فيك خير، والله يبغضك والمرء مع من أحب"(29). فتكون الحميراء الملعونة شاركت في قتل سيّد الأوصياء (عليه السّلام).

4- قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِير"(30)؛ وورد في تفسير علي بن إبراهيم القمّي (رضي الله عنه) عن أبي عبد الله الصّادق (عليه السّلام) أنّه قال: "جاهد رسول الله صلى الله عليه وآله الكفّار، وجاهد علي عليه السّلام المنافقين؛ فجاهد علي عليه السّلام جهاد رسول الله صلى الله عليه وآله"(31). 
ويقول شيخنا المفيد (رضي الله عنه) عن هذه الآية المباركة حول جهاد رسول الله صلّى الله عليه وآله للكفّار والمنافقين لعنهم الله تعالى: 
"أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قد جاهد الفريقين بالسيف، فتولى جهاد الكفار، وأوصى أخاه وابن عمّه أمير المؤمنين عليه السّلام بجهاد المنافقين من بعده، فقام بأمره في ذلك، ونفّذ وصاته فيه، فجاهد أهل البصرة وأهل الشام وأهل النهروان، وأقام حدّ الله فيهم"(32).

فعلينا في هذا الزّمان إقتداءً بالرسول الأعظم وأمير المؤمنين عليهما وآلهما السّلام أن نحارب عدوّة أهل البيت عائشة لعنها الله، وفي هذا الزمان نحاربها عن طريق فضح مثالبها، ونشر مخازيها العفنة.
ولا بأس أن ننقل هذه الرواية المعتبرة المتواترة المعنى من مصادرنا والّتي تعطي تفصيل ما فعلته عائشة لعنها الله بعد إستشهاد سيّد الأوصياء (عليه السّلام) وما هو مآل عائشة وحزبها لعنهم الله. فقد روى الحسين بن حمان الخصيبي (رحمه الله) بسنده عن المفضّل بن عمر الجعفي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال: 
"لما قدم أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام من الكوفة تلقاه أهل المدينة معزين بأمير المؤمنين عليه السلام ومهنين بالقدوم ودخلت عليه أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله - فقالت عائشة: والله يا أبا محمد ما فقد جدك الا حيث فقد أبوك ولقد قلت يوم قام عندنا ناعية قولاً صدقت فيه وما كذبت. فقال لها الحسن عليه السلام: عسى هو تمثلك بقول لبيد بن ربيعة حيث يقول:
فبشّرتها واستعجلت عن خمارها ** وقد تستخف المعجلين البشائر 
وأخبرها الركبان أن ليس بينها ** وبين قرى نجران والشام كافر 
فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر

ثم اتبعت الشعر بقولك أما إذا قتل علي فقولوا للعرب تعمل ما تشاء. فقالت له: يا بن فاطمة حذوت حذو جدك وأبيك في علم الغيب من الذي أخبرك بهذا عني؟ 
فقال لها: ما هذا غيب لأنّك أظهرتيه وسُمع منك والغيب نبشك عن جردٍ أخضر في وسط بيتك بلا قبس وضربت بالحديدة كفَّك حتّى صار جرحاً وإلّا فاكشفي عنه وأريه من حولَك من النساء، ثمّ إخراجك الجرد وفيه ما جمعته من خيانة وأخذت منه أربعين ديناراً عدداً لا تعلمين ما وزنها وتفريقك لها في مبغضي أمير المؤمنين عليه السلام من تيم وعدي شكراً لقتل أمير المؤمنين عليه السلام؛ فقالت: يا حسن والله لقد كان ما قلته فالله ابن هندٍ، لقد شفى وأشفاني.
فقالت لها أُم سلمة زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله: ويحك يا عائشة ما هذا منك بعجب وإنّي لأشهد عليكِ أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي وأنت حاضرة وأم أيمن وميمونة: يا أم سلمة كيف تجديني في نفسك؟ فقلت: يا رسول الله أجده قرباً ولا أبلغه وصفاً. فقال: فكيف تجدين عليّاً في نفسك؟ فقلت: لا يتقدّمك يا رسول الله ولا يتأخّر عنك وأنتما في نفسي بالسواء. فقال: شكراً لله لك ذلك يا أم سلمة فلو لم يكن علي في نفسك مثلي لبرئت منك في الآخرة ولم ينفعك قربي منك في الدنيا، فقلت أنت لرسول الله صلى الله عليه وآله: وكذا كل أزواجك يا رسول الله؟ فقال: لا. فقلت: لا والله ما أجد لعليّ فيَّ موضعاً قرّبتنا فيه أو أبعدتنا. فقال لك: حسبك يا عائشة. فقالت: يا أم سلمة يمضي محمّد ويمضي عليّ ويمضي الحسن مسموماً ويمضي الحسين مقتولاً كما خبّرك جدّهما رسول الله صلى الله عليه وآله.
 فقال لها الحسن عليه السلام: فما أخبرك جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وبأيّ موتة تموتين وإلى ما تصيرين؟ قالت له: ما أخبرني الا بخير. فقال الحسن عليه السلام: والله لقد أخبرني جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله تموتين بالداء والدبيلة وهي ميتة أهل النار وإنّك تصيرين أنتِ وحزبك إلى النار. فقالت: يا حسن ومتى؟ فقال الحسن عليه السلام: حيث أخبرك بعداوتك عليّاً أمير المؤمنين عليه السلام وإنشائك حرباً تخرجين فيها عن بيتك متأمّرة على جمل ممسوخ من مردة الجنّ يُقال له بكير، وأنّك تسفكين دم خمسة وعشرين ألف رجل من المؤمنين الذين يزعمون أنّك أمّهم.
قالت له: جدّك أخبرك بهذا أم هذا من علم غيبك؟ قال لها: من علم غيب الله وعلم رسوله وعلم أمير المؤمنين عليه السلام. قال: فأعرضت عنه بوجهها وقالت في نفسها: والله لأتصدَّقن بأربعين وأربعين ديناراً ونهضت. فقال لها الحسن عليه السلام: والله لو تصدّقت بأربعين قنطاراً ما كان ثوابك عليها إلّا النّار"(33).

فنخلص إلى أنّ:
عدوّة أهل البيت عائشة بنت عتيق بن أبي قحافة التيميّة لعنها الله تعالى منافقة، فاسقة فعلت الفواحش والمنكرات ودعت إلى نشر الفساد، وشاركت بقتل سيّد الأوصياء علي بن أبي طالب عليهما السّلام، ومصير هذه المنافقة لعنها الله كما قال الله تعالى: "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا"(34). فنحن شيعة أمير المؤمنين (عليه السّلام) نتقرب إلى الله تعالى بالبراءة منها عن طريق لعنها وفضح مثالبها، ونشر مخازيها ولعن كلّ من يميل إليها.
والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على علّة الوجود نبيّنا الأعظم وآله ولعنة الله تعالى على أعدائهم لا سيّما عدوّة أهل البيت عائشة بنت عتيق وأتباعها والمائلين إليها.


صلّى الله عليك يا أمير المؤمنين وعلى زوجك وأولادك المعصومين
وَعذَّبَ اللهُ قاتِلَكَ بِأَنواعِ العَذابِ وَجَدَّدَ عَلَيْهِ العَذابَ
اللهمّ العن عدوّتك الخارجيّة الحميراء والخارجي ابن ملجم ،،،

ـــــــــــــــــــ

(1) سورة العنكبوت، 29/ 41.
(2) شرف الدّين الإسترآبادي، تأويل الآيات الظاهرة، ص422.
(3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 23؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 268؛ الطّبري، تاريخ الطبري، 3/  398؛ مسكويه الرازي، تجارب الأمم، 1/ 596؛ ابن الأثير، تاريخ ابن الأثير، 3/ 201؛ ابن طباطبا، الفخري، ص102.
(4) أبو الفرج الأصفهانى، مقاتل الطالبيين، ص27؛ ابن شدقم المدني، الجمل، ص26.
(5) ابن بكّار، الأخبار الموفّقيّات، ص121، الخبر59.
(6) ابن عبد البر النمري، الإستيعاب، 3/ 1123؛ الصفدي، الوافي بالوفيات،؛ محبّ الدّين الطبري، ذخائر العُقبى، ص115؛ التاهساني البرّي، الجوهرة، ص122؛ الدّيار بكري، تاريخ الخميس، 3/ 325.
أقول: لاحظنا في رواية الصّفدي أنّ كلمة "لتصنع العرب" حُرّفت إلى "لتضع العرب" ونعتقد أنّ هذا نموذج حيّ على التّحريف في الكتاب المطبوع والأمر لا يحتاج إلى طول عناء في إثبات التّحريف بعد أن نقلتها جميع مصادر التّاريخ والتراجم بلفظ (لتصنع العرب) حتّى أنّ لغويّاً الكلام لا يستقيم بكلمة (لتضع العرب ما شاءت؟!)، لكن لا نقول إلّا فلتحيا الأمانة العلميّة!! الّتي يمتلكها محقّقي كتاب (الوافي بالوفيات) البكرييين أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.
(7) حديث متواتر عند الفريقين.
(8) سورة التوبة، 9/ 68. 
(9) سورة التوبة، 9/ 67.
(10) روى أحمد بن حنبل بسنده عن عائشة -في حديث-: فأمرها رسول الله (ص) عند ذلك ان ترضع سالما فأرضعته خمس رضعات وكان بمنزلة ولدها من الرضاعة فبذلك كانت عائشة تأمر أخواتها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت عائشة ان يراها ويدخل عليها وان كان كبيرا خمس رضعات ثم يدخل عليها وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي (ص) أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحداً من الناس حتى يرضع في المهد وقلن لعائشة والله ما ندري لعلها كانت رخصة من رسول الله (ص) لسالم من دون الناس. وقال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح وهذا إسناد جيد. (أحمد بن حنبل، المسند، 6/ 270، ح26373).
(11) أي تزيينها للجواري.
(12) روى ابن أبي شيبة وغيره عن عائشة أنها شوّفت جارية وطافت بها وقالت: لعلنا نصطاد بها شباب قريش. (ابن أبي شيبة الكوفي، المصنّف، 3/ 461، ح1 وأيضاً ج5، ص281، ح4؛ الحربي، غريب الحديث، 2/ 812؛ ابن الأثير الجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 509؛ ابن منظور، لسان العرب، 9/ 185؛  الزبيدي الحنفي، تاج العروس، 12/ 314).
(13) الصدوق، كمال الدّين، 2/ 419، باب44، ح21؛ الطبرسي، الإحتجاج، 2/ 462-463؛ المجلسي، بحار الأنوار، 52/ 340، ح1، باب19؛ الطبري الشيعي، دلائل الإمامة، ص270-276.
وقال العلّامة المجلسي في ردّه على المشكّكين في لقاء الأشعري القمّي بالإمامين العسكري والحجّة (ع): "أقول: الصدوق أعرف بصدق الاخبار والوثوق عليها من ذلك البعض الذي لا يعرف حاله، وردّ الأخبار التي تشهد متونها بصحتها بمحض الظن والوهم مع إدراك سعد زمانه عليه السلام، وإمكان ملاقاة سعد له عليه السلام، إذ كان وفاته بعد وفاته عليه السلام بأربعين سنة تقريبا، ليس إلا للازراء بالاخبار وعدم الوثوق بالأخيار والتقصير في معرفة شأن الأئمة الأطهار، إذ وجدنا أن الأخبار المشتملة على المعجزات الغريبة إذا وصل إليهم، فهم إمّا يقدحون فيها أو في راويها، بل ليس جرم أكثر المقدوحين من أصحاب الرجال إلّا نقل مثل تلك الأخبار". (بحار الأنوار: 52/ 344-345).
(14) سورة الأحزاب، 33/ 6.
(15) الطبري، جامع البيان، 21/ 147، ح21597.
(16) ابن زمنين، تفسير ابن زمنين، 3/ 387-388. 
(17) البغوي، تفسير البغوي، 3/ 507.
(18) الزمخشري، الكشّاف، 3/ 251. 
(19) ابن العربي المالكي، أحكام القرآن، 3/ 542.
(20) ابن عطيّة الأندلسي، المحرّر الوجيز، 4/ 370. 
(21) ابن الجوزي الحنبلي، زاد المسير، 6/ 182.
(22) ابن عبد السلام، تفسير العز بن عبد السلام، 2/ 560.
(23) البيضاوي، أنوار التنزيل، 4/ 364.
(24) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 353. 
(25) ابن سعد، المصدر نفسه، المكان نفسه؛ وعنه: المتّقي الهندي، كنز العمّال، 12/ 142-143، ح34401.
(26) عبد الرزّاق الصنعاني، المصنّف، 5/ 8، ح8812. 
(27) الهيثمي، مجمع الزوائد، 3/ 214. وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير بنحوه ورجال أبي يعلى ثقات.
(28) ننوّه على أنّ أنّ كتاب "الفاحشة الوجه الآخر لعائشة" لسماحة الشيخ ياسر الحبيب (حفظه الله) قد استفدنا منه كثيراً فمن أراد التفصيل في الأدلّة على وقوع الحميراء (لعنها الله) في الفاحشة فليراجع كتاب الشّيخ ففيه فوائدُ جمّة.
(29) الكليني، الكافي، 2/ 126-127، ح11.
(30) سورة التحريم، 66/ 9.
(31) علي بن إبراهيم القمّي، تفسير القمّي، ص711.
(32) المفيد، المسائل العكبريّة، ص116.
(33) الخصيبي، الهداية الكبرى، ص196-198؛ البحراني، مدينة المعاجز، 2/ 80-81، ح946.  
(34) سورة النساء، 4/ 145.

السبت، 3 أغسطس 2013

ان معاوية بن يزيد بن معاوية خلع نفسه عن الخلافة

هناك الكثير من الشواهد والأدلة التاريخية - فضلاً عن النقلية والعقلية - التي تثبت أحقية أئمة أهل البيت(ع) بالخلافة الإلهية بعد رسول الله(ص) دون غيرهم الذين اغتصبوها وأخذوها عنوة منهم(ع).. وواحد من هذه الشواهد هي قصة خلع معاوية الثاني بن يزيد بن معاوية نفسه من الخلافة في 24 من ربيع الثاني سنة 64 هـ، فقال كلمة الحق التي يجب أن تقال وتنازل عن الحكم والخلافة التي لم تدم إلا 40 يوماً.. ومن الصعب جداً أن يقول الإنسان كلمة الحق على نفسه -وهو الحاكم- ويعترف بعدم أحقيته بالخلافة أمام رعيته..


لقد ذكرت المصادر التاريخية أنه لما خلع نفسه صعد المنبر، فجلس طويلاً ثم حمد الله تعالى وأثنى عليه بأبلغ ما يكون من الحمد والثناء، ثم ذكر النبي(ص) بأحسن ما يذكر به. ثم قال:

أيها الناس، ما أنا بالراغب في الائتمار عليكم، ما أكرهه منكم، وإني أعلم أنكم تكرهونا أيضاً، لأنا بُلينا بكم وبُليتم بنا، إلا أن جدي معاوية نازع هذا الأمر مَن كان بهذا [الحكم] أولى منه ومن غيره، لقرابته من رسول الله(ص)، وعظيم فضله وسابقته، أعظم المهاجرين قدراً، وأشجعهم قلباً، وأكثرهم علماً، وأولهم إيماناً، وأشرفهم منزلةً، وأقدمهم صحبةً، ابن عم رسول الله(ص)، وصهره وأخوه... أبو سبطيه سيدا شباب أهل الجنة، وأفضلا هذه الأمة بعد الرسول(ص)، وابنا فاطمة البتول(ع)، من الشجرة الطيبة الطاهرة الزكية، فركب جدي منه ما تعلمون، وركبتم منه مالا تجهلون، حتى انتظمت لجدي الأمور.

فلما جاء القدر المحتوم، واخترمته أيدي المنون، بقي مرتهنا بعمله، فريداً في قبره، ووجد ما قدمت يداه، ورأى ما ارتكبه واعتداه، ثم انتقلت الخلافة إلى يزيد أبي، فتقلد أمركم لهواءٍ كان أبوه فيه، لقد كان أبي يزيد بسوء فعله وإسرافه على نفسه غير خليق بالخلافة على أمة محمد(ص)، فركب هواء واستحسن خطأه، وأقدم على ما أقدم من جرأته على الله تعالى، وبغيه على من استحل حرمته من أولاد رسول الله(ص)، فقلَّت مدته، وانقطع أثره، وضاجع عمله، وصار حليف حفرته، رهين خطيئته، وبقيت أوزاره وتبعاته، وحصل على ما قدم وندم حيث لا ينفعه الندم... فليت شعري ماذا قال وما قيل له، فهل عوقب بإساءته، وجوزي بعمله؟ وذلك ظني...

ثم خنقته العبرة، فبكى طويلاً وعلا نحيبه، ثم قال: وصرتُ أنا ثالث القوم، والساخط عليّ أكثر من الراضي، وما كنت لأتحمل آثامكم، ولا أراني الله تعالى جلت قدرته متقلداً أوزاركم، وألقاه بتبعاتكم، والله لئن كانت الخلافة نعيماً لقد نال أبي منها مغرماً ومأثماً، ولئن كانت شراً فحسبه منها ما أصابه، فشأنكم أمركم، فخذوه ومن رضيتم به عليكم فولوه، فقد خلعت بيعتي عن أعناقكم، والسلام.

ثم نزل، فدخل عليه أقاربه وأمه، فوجدوه يبكي، فقالت له أمه: ليتك كنت حيضة ولم أسمع بخبرك، فقال: وددتُ والله ذلك، ثم قال: ويلي إن لم يرحمني ربي. (بحار الأنوار: ج46، ص118، تنبيه الخواطر: ص 518).

ثم إن بني أمية اتهموا مؤدبه عمر القصوص بأنه هو من رباه على حب علي وأولاده(ع)، فأنكر ذلك ولم يصدقوه، وأخذوه ودفنوه حياً حتى مات.. وتوفي معاوية بن يزيد بعد خلع نفسه بأربعين ليلة. وقيل سموه. (كتاب الأربعين، للقمي الشيرازي: 1/ 497).

الجمعة، 2 أغسطس 2013

القرآن َيعدّ المعجزة برهاناً على صحّة الرسالة لا دليلاً عامياً



اللهم صل على محمد وال محمد * المركز *هذه المقالة منقولة من الموقع الرسمي لسماحة السيد كمال الحيدري

مرّ علينا أنّ الدليل القطعي لإثبات النبوّة هو إقامة المعجزة على يد مدّعي الرسالة أو النبوّة، إلاّ أن الجدير بالبحث في هذه الفقرة هو أنّ دعوى النبيّ أو الرسول تتوافر على حقيقتين، هما:
الأولى: الارتباط بالله سبحانه وتعالى وأنّه يوحى إليه من السماء.
الثانية: ادّعاء صحّة المعارف التي يخبر عنها بواسطة رسالته التي أتى بها من الله عزّ وجلّ كمعارف المبدأ والمعاد وأصول التوحيد وقوانين الأخلاق والفضائل وغيرها.
في ضوء هاتين الحقيقتين يثار السؤال الآتي:
ما هو الغرض الذي تضطلع به المعجزة؟ أهو إثبات الحقيقة الأولى أم الحقيقة الثانية؟
أيريد النبيّ إثبات اتصاله بالسماء فقط من خلال المعجزة، أم إنه بصدد إثبات حقانية المعارف التي يتكلّم بها عن طريق الوحي؟ يضعنا هذا السؤال أمام باب كبير لابدّ من فتحه والدخول إلى فناء إحدى الظواهر التي انبثقت منذ فجر الإنسانية، ألا وهي ظاهرة النبوّة، والسفارة عن السماء.
لكي نميط اللثام عن حقيقة هذه الظاهرة التي غيّرت تاريخ البشرية في كثير من حقب الزمان وأحدثت تحوّلات ضخمة على طول مسير الحياة الإنسانية، وبالاستناد إلى حقيقة النبوّة والسفارة الإلهية، يمكننا الاقتراب وبشكل كبير من جواب السؤال المطروح في هذه الفقرة. في هذا الباب ذكر المحقّقون أنّ العقل لا يرى تلازماً بين صدق الرسول في دعوته إلى الله سبحانه واتّصاله بالسماء، وبين صدور أمر خارق للعادة على يديه، بل يظهر ذلك من القرآن أيضاً فيما يحكيه من قصص بعض الأنبياء، فإنهم وبحسب ما يقرّره القرآن الكريم حينما بثّوا دعوتهم وسفارتهم عن السماء سُئلوا عن الآية التي تدلّ على حقيّة دعواهم؛ بل نرى بعض الأنبياء أنهم أعطوا المعجزة قبل أن تتوجّه إليهم أممهم بالسؤال، كما قال تعالى في موسى وهارون عليهما السلام: ( اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي)(1). وكذلك الأمر بالنسبة إلى إعطاء القرآن كمعجزة للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله. في ضوء ذلك نستنتج أن العقل الصريح لا يرى تلازماً بين حقيّة ما أتى به الأنبياء والرسل من معارف المبدأ والمعاد وبين صدور أمر يخرق العادة عنهم(2). ثم إن إمكان الاستدلال العقلي واتّباع المنهج البرهاني في إثبات معارف التوحيد والمبدأ والمعاد وما شابهها يغني عن إقامة المعجزة والنظر في أمرها. وحينئذ فما هو الغرض من إقامة المعجزة؟ يقرّر الطباطبائي جواب ذلك بما يلي:
إن الأنبياء والرسل عليهم السلام لم يأتوا بالآيات المعجزة لإثبات شيء من معارف المبدأ والمعاد مما يناله العقل كالتوحيد والبعث وأمثالهما، وإنما اكتفوا في ذلك بحجة العقل والمخاطبة من طريق النظر والاستدلال، كقوله تعالى: (قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالأرْضِ)(3) في الاحتجاج على التوحيد، وقوله تعالى: (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالأرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ! أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)(4) في الاحتجاج على البعث. وإنما سئل الرسل المعجزة وأتوا بها لإثبات رسالتهم وتحقيق دعواها(5).
في ضوء معطيات النصّ القرآنيّ نرى أنّ دعوى الرسالة عن السماء متحصّل عند النبيّ من خلال الوحي والتكليم الإلهي أو نزول الملائكة ونحو ذلك، كما قال تعالى: (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإذْنِهِ ما يَشاءُ إنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ)(6).
أمام هذه الطرق التي يقرّرها القرآن في كيفية الاتصال بعالم ما وراء الطبيعة نرى أنها جميعاً خارقة للعادة في نفسها لأنها تختلف عن سنخ الإدراكات الظاهرة والباطنة التي تعارف عليها عامّة الناس، بل هي إدراكات لا تنالها عامّة النفوس مع أن الأنبياء لا يختلفون عن البشر الآخرين من ناحية القدرات البشرية. ولهذا السبب واجه الأنبياء موجة عارمة وحملات شعواء من الإنكار والاستنكار من عامّة المجتمعات التي بُعثوا فيها، وهذا يؤكّد أن الاتصال بالسماء لا يمثّل بعداً بشرياً محضاً في حياة الناس، وإلا فلماذا الاستنكار والتشكيك وعدم التصديق؟!!
في خضمّ أمواج الاستنكار والمقاومة العنيفة لدعوى الأنبياء والمرسلين يقرّر القرآن الكريم أن الاستنكار وقع على نوعين:
الأول: استدلال المجتمع البشري على إبطال دعوى الأنبياء بأنهم لا يختلفون عن سائر الناس من الناحية البشرية، وحيث أن عامّة الناس لا تجد في نفسها ما يقوله الأنبياء حول طرق الاتصال بما وراء الطبيعة فنستنتج عدم صحّة دعواهم أو صدقها.
قال تعالى على لسان المستنكرين لظاهرة الاتصال بالسماء: (قالُوا إنْ أَنْتُمْ إلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا)(7).
فمن خلال المماثلة البشرية يجزم هؤلاء بعدم صحّة دعوى الاتصال بما وراء الطبيعة من قبل الأنبياء والرسل. ولكن ما هي حقانية هذا الاستدلال وما مدى صحّته؟ وماذا قال الأنبياء لمجتمعاتهم في ردّ هذا النوع من الاستدلال؟
هل قالوا إننا لسنا من نوع البشر لنماثلكم في القوى والإدراكات؟! كلا… لا هذا ولا ذاك. وإنما يقرّر القرآن الكريم نقلاً عن لسان الأنبياء أنهم لم يخرجوا عن دائرة البشرية ولم يتجاوزوا حدود الإنسانية إلى غيرها، بالرغم من أنهم متّصلون بما وراء الطبيعة ومكلَّمون بالوحي الإلهي، كما يقول سبحانه: (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إنْ نَحْنُ إلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ)(8).
فالمماثلة وأن الجميع بشر حقيقة ثابتة لا ينالها الشك، إلا أن الامتياز ببعض النعم الخاصّة لا يتنافى مع المماثلة، فللناس أو أفراد البشر اختصاصات يمتاز بها بعضهم عن بعضهم الآخر وإن كان الجميع يدورون في محيط الدائرة البشرية، ومن تلك الاختصاصات ظاهرة الوحي والتكليم الإلهي لبعض البشر الذين يتوافرون على صفات خاصّة وقدرات لا يملكها غيرهم من بني البشر. وهل ثمّة عاقل يستنكر تفاوت أفراد الناس من جهة الإدراكات العقلية والقوى النفسانية؟! ومع ذلك لا نحكم بخروج من يتميز ببعض القوى العقلية ذات المستوى العالي عن قائمة أفراد البشر.
وقد تعرّض القرآن الكريم لذكر أمثال هذا النوع من الاستدلال في غير موضع؛ كقوله تعالى: (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا)(9).
الثاني: أن المجتمع البشري لمّا رأى أن الدعوة التي يدّعيها الأنبياء تشتمل على أمور تستنكرها النفس الاعتيادية ولم يعرف لها العقل مثيلاً من قبل، قام بسؤال الحجّة وطلب البيّنة على صدق الدعوة والسفارة الإلهية، والبيّنة المطلوبة ليست هي إلا المعجزة والأمر الخارق للعادة.
(فإن الوحي والتكليم الإلهي وما يتلوه من التشريع والتربية الدينية مما لا يشاهده البشر من أنفسهم، والعادة الجارية في الأسباب والمسبّبات تنكره فهو أمر خارق للعادة، وقانون العلّية العامّة لا يجوّزه، فلو كان النبيّ صادقاً في دعواه النبوّة والوحي كان لازمه أنه متّصل بما وراء الطبيعة، مؤيَّد بقوّة إلهية تقدر على خرق العادة…)( 10).
ومادام الأمر كذلك وأن خرق العادة لو وقع مرّة فيمكن أن يقع أخرى، وأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يصدّق النبوّة والوحي الذي يدّعيه النبيّ، فمن الممكن أن يصدر خارق آخر للعادة لكي يحصل به تصديق دعوى الاتصال بالسماء وتقام به الحجّة على الناس. وهذه الحقيقة هي التي دعت المجتمعات البشرية إلى طلب المعجزة لإثبات صدق دعوى النبوّة ليس إلاّ، وليس للدلالة على حقانية المعارف التي ادّعاها الأنبياء في التوحيد والمعاد وغيرها من أصول الدين لأن ذلك مما يناله العقل ويثبته البرهان.
__________________
(1) طه: 42.
(2) راجع الميزان في تفسير القرآن ج1 ص85.
(3) إبراهيم: 10.
(4) ص: 27- 28.
(5) الميزان في تفسير القرآن: ج1 ص86.
(6) الشورى: 51.
(7) إبراهيم: 10.
(8) إبراهيم: 11.
(9) ص: 8.
(10) الميزان في تفسير القرآن: ج1 ص88.

ضرورة التأويل وأهمّيته_السيد كمال الحيدري



اللهم صل على محمد وال محمد * المركز *هذه المقالة منقولة من الموقع الرسمي لسماحة السيد كمال الحيدري

استدلّ الآملي على ضرورة التأويل ووجوبه ولزوم استخراج معاني القرآن واستكناه مضامينه واستنباط مرامي هواكتشاف أبعاده، من خلال ما صرّح به القرآن نفسه وأكّده كقوله تعالى: (هُوَ الَّذِيأنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِوَأُخَرُ مُتَشابـِهاتٌ فَأمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبـِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبـِعُونَما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُتَأْوِيلَهُ إلاّ اللهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ…)(1)وقوله: (وَلَقَدْجِئْناهُمْ بكِتاب فَصَّلْناهُ عَلى عِلْم هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْم يُؤْمِنُونَ * هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَنَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بـِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْشُفَعاءَ)(2).
حيث ذكر أنّ ما قصد من التأويل فيهما ليس إلاّ ما شاع استخدامه عند محقّقي الصوفية والعارفين من أهل الله، فيكون هذا البيان شاهداً قويّاً وسنداً متيناً على ضرورة أن يتمّ التعاطي مع النصّ القرآني من خلال الغوص في دلالاته الباطنية وأبعاده، لا على ما يتمّ التأدّي إليه بواسطة اللّفظ والسياق والتواضع اللغوي. قال في مقام تحديد مدلول هاتين الآيتين: (وهذان القولان من أعظم الدلالات الأدلّة على وجوب التأويل، فإنّ القول الأوّل يشهد بأنّ التأويل واجب، لكن يشير إلى أنّ التأويل على قسمين:
الأوّل: تأويل للفتنة والفساد في الدِّين والاعتقاد، وهو تأويل أهل الزيغ والضلال الذين يأخذون المتشابهات دون المحكمات، ويؤوّلون على آرائهم واعتقادهم.
الثاني: تأويل للخير والصواب والهداية والإرشاد، وهو تأويل أهل العلم وأرباب الكمال من العلماء الراسخين في العلوم الإلهية الذين يأخذون المحكم أصلاً والمتشابه فرعاً، ويوفّقون بينهما ويؤوّلونهما على الوجه الذي ينبغي، وعلى القاعدة التي أمرهم الله تعالى بها كما قال: (وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاّ اللهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) وذلك لكمال رسوخهم في العلم الإلهي، وحسن تصرّفهم في الكلام الربّاني. فبناءً على هذا كما يجب على الإنسان العاقل البالغ المكلّف ترك القسم الأوّل، يجب عليه القيام بالقسم الثاني على وجه لا يلزم منه الفساد المذكور، ليدخل به في العلماء الراسخين ويشارك مع ربّه في تأويل كلامه على الوجه المأمور.
والقول الثاني أيضاً يشهد بأنّ التأويل واجب، لكن يشير إلى أنّ التأويل حقّ التأويل موقوف على حضور خليفته الذي لا يحكم إلاّ بالتأويل وهو المهدي عليه السلام)(3).
ولقد وجد الآملي أنّ القرآن نفسه يشكِّل سبباً مباشراً لنشوء التأويل في صورته البدائية، ذلك أنّه اشتمل على آيات يتوهّم منها بحسب ظاهرها الاختلاف والتناقض، وأدرك العلماء أنّهم لو فسّروها على ظاهرها للزم من ذلك مفاسد كثيرة كالتشبيه والتجسّم. وارتفاع محذور كهذا لم يكن ممكناً إلاّ بسلوك طريق التأويل بصرف الآيات عمّا تدلّ عليه ظواهرها. قال: (اعلم أنّ في القرآن متشابهات ومتناقضات:
أمّا المتشابهات فكقوله تعالى: (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(4) وكقوله: (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)(5) وكقوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذ ناضِرَةٌ * إلى رَبِّها ناظِرَةٌ)(6)، وكقوله: (فَأيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)(7)، وكقوله: (يَدُ اللهِ فَوْقَ أيْدِيهِمْ)(8)، وكقوله: (وقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ)(9)، وكقوله: ( بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ)(10)، وكقوله: (وَالأرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بـِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ)(11)، وكقوله: (فَإذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ..)(12)، وكقوله: (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) (13).
وهذه كلّها محتاجة إلى التأويل وجوباً، وإلاّ لأدّى إلى مفاسد كثيرة، كالتجسّم والتحيّز والإمكان والحدوث، المؤدّي إلى الكفر والزندقة والإلحاد وغير ذلك من الغيّ والضلال.
وأمّا المتناقضات فكقوله: (قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بـِكُمْ)(14)، ونقيضه: (اللهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِها)(15)، وكقوله: (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا)(16)، ونقيضه: (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيّاً)(17). ومعلوم أيضاً أنّ هذه المتناقضات لو لم تكن مؤوّلة على طريق العقل والشرع لكان يلزم منها فيه اختلاف كثير)(18).
ولم يكن يخفى على الآملي وهو يسرد هذا الكلام ويقرّره أنّ التأويل الواجب هنا والذي يقتضي تركه الوقوع فيما هو ممتنع من المفاسد، ليس تأويل أهل الباطن، بل التأويل المستند إلى قانون اللغة والمنطلق في أساليب استخدامها، والقائم على المجاز والكناية بقرينة أنّهم استخدموه مثلاً في تفسير قوله تعالى: (وَ جاءَ رَبُّكَ) فقالوا: إنّ تأويله: جاء أمر ربّك بحذف المضاف، وهو من باب المجاز في الإسناد المقرّر في علم المعاني، أو الحذف مع التقدير المقرّر في البيان، والقرينة على المجاز أو الحذف قرينة عقلية وهي استحالة نسبة المجيء إلى الحقّ نفسه. 
لذا عقّب على هذا النحو من التأويل بقوله: (لكن هذا كلّه هو طريق أهل الظاهر وأرباب الأُصول تنزيهاً للحقّ من النقائص وتقديساً له من العيوب اللاّزمة للإمكان والحدوث)(19) والتي وقع فيها كثيرون عندما أخذوا أنفسهم بالتزام دلالة الظاهر، وعزفوا عن الأخذ بالتأويل والعمل على طبقه. (والحنابلة ما وقعوا فيما وقعوا إلاّ من عدم التأويل والحكم بظواهر القرآن دون بواطنه)(20).
(أمّا طريق أهل الباطن وأرباب المعرفة فسبيل مختلف ومنهج مغاير، وهو يقوم ـ كما سيأتي ـ على أساس اشتمال القرآن على مراتب باطنة للمعنى لا يساعد قانون اللغة ولا سياقها في التأدّي إليها وبلوغها، ولا تنفع أساليب الفهم وطرائق الاستنباط والتفسير الشائعة عند أرباب الظاهر وعلماء الشريعة في اقتناصها. ولقد تمسّكوا أكثر ما تمسّكوا للاستدلال على ذلك بما ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وآله: إنّ للقرآن ظهراً وبطناً ولبطنه بطناً إلى سبعة أبطن، والذي ورد منه أيضاً: ما من آية إلاّ ولها ظهر وبطن، ولكلّ حرف حدّ، ولكلّ حدّ مطلع. وهذان الخبران دالاّن على أنّ للقرآن ظواهر تجب التفسير، وبواطن تجب التأويل، إلى أن يصل التأويل إلى نهاية المراتب السبع، بل لكلّ آية منه، بل لكلّ حرف، وعلى هذا التقدير يجب الشروع في بيانهما حتّى يتحقّق بعض هذا المعنى عندك)(21).
ولقد فهم أهل الشرع وأرباب الظاهر هذه الأخبار على ظاهرها (فذهب بعضهم إلى أنّ المراد في الخبر بالبواطن السبعة، القراءات السبع لا غير، وهذا نصيبهم وحظّهم من القرآن. وذهب بعضهم إلى أنّ المراد منه، العلوم السبع التي تُعرف من القرآن بحسب التصرّف فيه، كاللّغة والنحو والصرف والمعاني والبيان والأُصول والفروع، لأنّ القرآن عندهم مشتمل على هذه العلوم السبعة لا غير، وهذا حظّهم من القرآن، وذهب بعضهم إلى أنّ المراد منه أنّ القرآن، له بحسب الإجمال سبعة معان، تطبيقاً بطبقات العالم والخلق، لكن بحسب التفصيل له معان غير متناهية، وهذا ليس ببعيد، فإنّه قريب إلى الحقّ، وكلّ ميسّر لما خُلق له(22).
وأمّا أهل الباطن وأرباب الطريقة المخصوصون بالتأويل، فذهب بعضهم إلى أنّ المراد من الخبر أنّ لكلّ كلمة من كلمات القرآن سبعة معان على استعداد كلّ طائفة من الطوائف السبع، لئلاّ يقع الإخلال بالواجب من الله تعالى بالنسبة إلى طائفة منهم. وذهب بعضهم إلى أنّ المراد منه بعد العلوم السبعة المذكورة العلوم السبعة الإلهية المعلومة لأهلها التي هي: علم التوحيد والتجريد والفناء والبقاء، وعلم الذات والصفات والأفعال، وعلم النبوّة والرسالة والولاية، وعلم الوحي والإلهام والكشف، وعلم المبدأ والمعاد والحشر والنشر، وعلم الأخلاق والسياسة والتهذيب والتأديب، وعلم الآفاق والأنفس والتطبيق بينهما، فإنّه أعظم العلوم وأشرفها، وهذا حظّهم من القرآن ونصيبهم منه، ونِعمَ الحظّ ونِعمَ النصيب (وَما يُلَقّاها إلاّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقّاها إلاّ ذُو حَظّ عَظِيم)(23). وذهب بعضهم إلى أنّ المراد منه الطوائف السبع المذكورة في القرآن، من المسلمين، والمؤمنين، والموقنين، وذوي العقول، وأُولي الألباب، وأُولي النُّهى، والراسخين في العلم، وإن كان هناك طوائف كثيرة مذكورة فيه ، مثل المنذرين والمتفكِّرين والمتوسِّمين وغير ذلك)(24).
وعلى كلّ حال (فإنّ الآملي يرى أنّ الغرض الذي يسوق إليه التأويل لايجوز تفويته، ولقد نبعت ضرورة التأويل من ضرورة غرضه وأهمّية غايته ومقصده، لكنّ هذا الغرض عند الصوفي مختلف عن غرض أهل الشريعة وأصحاب الظاهر. ولقد عرفنا أنّ غرض أهل الشريعة الذي أكّدوا عليه في مقام تبرير التأويل وبيان ضرورته هو التخلّص من المفاسد التي تدلّ عليه ظواهر كثير من الآيات، ويحكم العقل أو الشرع باستحالة وقوعها، وعدم إمكان الذهاب إليها والاعتقاد بها، كالتشبيه والتعطيل والتجسيم. وافترض الآملي أنّ مثل هذا الغرض جليل والسعي إلى تحقيقه ومحاولة إنجازه مكرمة وفضيلة، ومن يسعى إليه ابتغاء مرضاة الله يؤته الله أجراً عظيماً)(25).
أمّا عند الصوفية فالغرض أعظم من ذلك وأكبر وأهمّ وأسمى، وهو تحصيل المعرفة الشهودية الحقيقيّة، والاطّلاع على الأسرار الربّانية المودعة في اللّوح المحفوظ والمنطبعة في النفس الكلّية تفصيلاً وإجمالاً، ذلك أنّ (رئيس المعارف كلّها وأُصول الحقائق بأجمعها باتّفاق الأنبياء والأولياء عليهم السلام ثلاث: معرفة الحقّ تعالى، ومعرفة العالم، ومعرفة الإنسان، وإن كانت هذه الثلاث في الحقيقة ترجع إلى واحدة منها هي معرفة الحقّ تعالى، لأنّ معرفة العالم ومعرفة الإنسان سُلّم ومعارج إلى معرفة الحقّ التي هي المقصودة بالذات من الكلّ، وهذه الثلاث موقوفة على معرفة القرآن وأسراره وحقائقه على تطبيقه بالكتاب الآفاقي الذي هو العالم تفصيلاً، وبالكتاب الأنفسي الذي هو الإنسان إجمالاً)(26) لقوله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الآفاقِ وَفِي أنْفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أنَّهُ الْحَقُّ أوَ لَمْ يَكْفِ بـِرَبِّكَ أنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْء شَهِيدٌ * ألا إنَّهُمْ فِي مِرْيَة مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ ألا إنَّهُ بـِكُلِّ شَيْء مُحِيطٌ)(27).
حيث يفهم الآملي من هذه الآية على أساس دلالتها على ما قرّره من (كون القرآن مشتملاً على الآفاق والأنفس، ومن كون معرفته وسيلة إلى معرفتهما، ومن كون الأخيرين آلتين موصلتين إلى معرفة الحقّ تعالى، فمعرفة القرآن تقود إلى معرفة عالمي الآفاق والأنفس، وهي تؤدّي إلى معرفة الحقّ وشهوده في مراتب آياته وآثاره، ومنازل تدرّجه وتنزّله.
وعلى أيّ حال فالعلّة الغائية للتأويل عند الآملي هي حصول مشاهدة الحقّ تعالى في مظاهره وآيات كتابه الآفاقي وكلماته وحروفه، وحيث إنّ القرآن صورة إجمال العالم وتفصيله فلا تحصل المشاهدة تلك إلاّ بمساعدته ومعاونته، فيجب تأويله على الوجه المذكور ليتحقّق منه الغرض المشار إليه. فليست قراءة القرآن إذن واستنطاقه والغوص على معانيه إلاّ آلة لكشف حقائق هذا العالم، والاطّلاع على أسراره المودعة فيه، ومشاهدته مظهراً من مظاهر الحقّ وتجلّياً من تجلّيات ذاته وصفاته وأسمائه)(28).
وعليه (فمن حصلت له معرفة القرآن على ما هو عليه في نفس الأمر، حصل له مطالعة الفرقان على ما هو عليه في نفس الأمر، أعني من حصل له مطالعة كتابه الأنفسي الذي هو القرآن حقيقة، حصل له مطالعة الكتاب الآفاقي الذي هو الفرقان حقيقةً. ومن حصل له هذا صعد من درجة الإجمال إلى التفصيل، ومن درجة الوحدة إلى الكثرة، ومن درجة الذات إلى الأسماء والصفات، ومن درجة الجمعية إلى التفرقة، وجمع بين كلّ مرتبتين منهما بحيث لا يحتجب بأحدهما عن الآخر، ولا يخالف الأوّل الآخر، ولا الظاهر الباطن، ولا الكثرة الوحدة، ولا الجمع التفرقة، وصار به كاملاً مكمّلاً عارفاً موحِّداً محقّقاً، واصلاً مقام الاستقامة والتمكّن، متخلّقاً بأخلاق الحقّ وأرباب اليقين، وحصل له من أهل الله وأرباب التوحيد الدرجة العُليا والغاية القصوى، المعبّر عنها بأحديّة الفرق بعد الجمع.
وإلى هذه المشاهدة الجمعية المحمّدية في المراتب الثلاث، أشار الشيخ الكامل كمال الدِّين عبد الرزّاق قدس سره في اصطلاحات القوم، وسمّى صاحبها في المرتبة الأُولى ذا العقل، وفي المرتبة الثانية ذا العين، وفي المرتبة الثالثة ذا العقل والعين وهو قوله:
ذو العقل: هو الذي يرى الخلق ظاهراً ويرى الحقّ باطناً، فيكون الحقّ عنده مرآةً للخلق لاحتجاب المرآة بالصورة الظاهرة فيه احتجاب المطلق بالمقيّد.
ذو العين: هو الذي يرى الحقّ ظاهراً والخلق باطناً، فيكون الخلق عنده مرآة الحقّ، لظهور الحقّ عنده واختفاء الخلق فيه اختفاء المرآة بالصورة.
ذو العقل والعين: هو الذي يرى الحقّ في الخلق، والخلق في الحقّ، ولا يحتجب بأحدهما عن الآخر، بل يرى الوجود الواحد بعينه حقّاً من وجه، وخلقاً من وجه، فلا يحتجب بالكثرة عن شهود الوجه الواحد الأحد، ولا يزاحم في شهوده كثرة المظاهر، أحدية الذات التي يتجلّى فيها، ولا يحتجب بأحدية وجه الحقّ عن شهود الكثرة الخلقية، ولا يزاحم في شهوده أحدية الذات المتجلّية في المجالي كثرتها)(29).
ويفترض الآملي أنّ الله أشار إلى أنّ القرآن أحد مظاهره الذي تجلّت ذاته وصفاته فيه. في الحديث: (لقد تجلّى الله لعباده في كتابه ولكن لا يبصرون)(30). والمراد بالكتاب هنا كما يقول هو الكتاب الآفاقي الذي يتجلّى الحقّ في صورة كتابه بحسب ملابس حروفه وكلماته وآياته تجلّياً معنوياً حقيقيّاً، كما يتجلّى المعنى في لباس الحروف والكلمات والآيات.
ومن قرأ الكتاب الآفاقي التفصيليّ أيضاً على ما هو عليه في نفس الأمر، أعني من حيث الإجمال والتفصيل، وطابقه بالكتاب القرآني حرفاً بحرف وكلمةً بكلمة وآيةً بآية، تجلّى له الحقّ في صورة مظاهره الأسمائية وملابسه الفعلية تجلّياً شهودياً كلّياً تفصيليّاً بمصداق قوله: (هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بـِكُلِّ شَيْء عَلِيمٌ)(31)، وقوله المتقدِّم: (أوَ لَمْ يَكْفِ بـِرَبِّكَ أنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْء شَهِيدٌ)(32)، وبمصداق قول العارفين من عبيده: ليس في الوجود سوى الله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله، فالكلّ هو وبه ومنه وإليه. وفيه قيل:
تجلّى لي المحبوب من كلّ وجهة   فشاهدته في كلّ معنىً وصورة

فقـال: كـذاك الأمـر لـكنّما إذا    تعيّنت الأشياء بي كنت نسخت(33)

وكما يتجلّى الحقّ في صورة عالم الآفاق يتجلّى في صورة عالم الأنفس. وإلى هذا المعنى أشار النبيّ صلّى الله عليه وآله حيث قال: (من عرف نفسه عرف ربّه)(34) ففي الصورة الإنسانية المسمّاة بالنشأة الجامعة الكلّية، ظهر الحقّ ظهوراً ذاتيّاً، وتجلّى تجلّياً عيانياً فكان عالم الأنفس في الحقيقة صورته كما أشار إليه الحديث: خلق الله آدم على صورته(35) وفي قوله تعالى: (وَصَوَّرَكُمْ فَأحْسَنَ صُوَرَكُمْ)(36) وأشار إليه النبيّ صلّى الله عليه وآله في قوله: رأيت ربّي ليلة المعراج في أحسن صورة(37) ولم تكن الصورة تلك ـ كما يقول الآملي ـ إلاّ صورة النبيّ نفسه، (وهي صورة الإنسان الكامل الحقيقي التي لا يوجد في الواقع أحسن منها)(38).
ثمّ بيّن الآملي أنّ التأويل لا يمكن أن يتحقّق إلاّ على قاعدة التوحيد وأُصوله وقوانينه، لأنّه (الأصل في الدِّين وأساس في الإسلام، وعلمه أعظم العلوم وأشرفها، وسرّه أعظم الأسرار وأنفعها، وليس هناك سرّ إلاّ وهو معدنه، ولا علم إلاّ وهو مشربه، وهو أوّل الواجبات على الخلق في الدِّين، وآخر المقامات عند أرباب الكشف وأصحاب اليقين، وهو المقصد الأقصى والمطلب الأعلى، وليس للإنسان وراء هذا المقام مرمىً ولا مرتبة.
ومن هذا قال سلطان الأولياء والوصيّين أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه: أوّل الدِّين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة(39).
وهذا ما أشار إليه الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في قوله: اللّهمَّ إنّي أسألك بتوحيدك الذي فطرت عليه العقول، وأخذت به المواثيق، وأرسلت به الرُّسل، وأنزلت به الكتب، وجعلته أوّل فرائضك ونهاية طاعتك، فلم تقبل حسنة إلاّ معه، ولم تغفر سيّئة إلاّ بعده)(40).
بناءً على ما تقدّم يتّضح أنّه لا يمكن أن يقع التساهل في فعل التأويل، وفيما هو الواجب منه، ذلك أنّ (القرآن بالإضافة إلى كونه طريقاً إلى معرفة الحقّ، هو كمثل الحكم الصادر من سلطان عرفيّ إلى عبيده وأرباب دولته ليقوموا بجميع ما فيه ويلتزموا بكلّ ما يحتويه… فإذا قام أحدهم ببعضه وقعد عن بعض، فمن المحتمل أن يخالف ما قام به، الذي قعد عنه، فيستحقّ عندها الملامة والتوبيخ، وليس القيام بالبعض وترك البعض الآخر هنا إلاّ نظيراً للقيام بفعل التفسير وترك فعل التأويل، والقيام بجميع ما في القرآن يقتضي القيام بهما والجمع بينهما. ولقد وردت آيات كثيرة ـ بحسب الآملي ـ تصرّح بذمّ من ترك تدبّر القرآن وأعرض عن تأويله ورغب عن استنباط معانيه والغوص على مضامينه واستكناه مراميه وأبعاده وأهمل أسراره، من ذلك قوله تعالى: (أفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أمْ عَلى قُلُوب أقْفالُها) (41).
ولأجل أنّ الإعراض عن تدبّره ـ مع ما فيه من المنافع والفضائل ـ أمرٌ مستغرب مستكره، وشأنٌ مستهجن مستقبح، قال الله تعالى: (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِينَ * فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ)(42) ليؤكّد على سبيل الإنكار حال من يُعرض عن تدبّر القرآن وفهمه… والاطّلاع على اختلاف رموزه وإشاراته وليدلّل على أنّه الطريق الموصِل إلى الجواهر المكنونة والنفائس الشريفة المستورة، ليبلغ العارفون من خلال ذلك منزلة القرب التي أشار إليها في كتابه فقال: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاةِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أجْراً عَظِيماً) النساء: 114(43).
_____________________
(1) آل عمران: 7.
(2) الأعراف: 52 ـ 53.
(3) تفسير المحيط الأعظم والبحر الخضمّ في تأويل كتاب الله العزيز المحكم، للسيّد حيدر الآملي، حقّقه وقدّم له وعلّق عليه السيّد محسن الموسوي التبريزي، مؤسّسة الطباعة والنشر، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، إيران، = الطبعة الأُولى، 1414هـ : ج1 ص293.
(4) طه: 5.
(5) الفجر: 22.
(6) القيامة: 22، 23.
(7) البقرة: 115.
(8) الفتح: 10.
(9) المائدة: 64.
(10) المائدة: 64.
(11) الزمر: 67.
(12) ص: 72.
(13) المائدة: 116.
(14) السجدة: 11.
(15) الزمر: 42.
(16) الأعراف: 51.
(17) مريم: 64.
(18) تفسير المحيط الأعظم والبحر الخضمّ: ج1 ص300.
(19) تفسير المحيط الأعظم والبحر الخضمّ: ج1 ص205.
(20) المصدر نفسه: ج1 ص301.
(21) تفسير المحيط الأعظم والبحر الخضمّ: ج1 ص302.
(22) سنن أبي داود، تصنيف أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني: 202ـ 275: ص511، الحديث: 4694، اعتنى به فريق الأفكار الدولية، بيت الأفكار الدولية نصّ الحديث: عن عليّ عليه السلام قال: كنّا في جنازة فيها رسول الله صلّى الله عليه وآله ببقيع الغرقد، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله فجلس ومعه مخْصرة فجعل ينكث بالمخصرة في الأرض، ثمّ رفع رأسه فقال: ما منكم من أحد من نفس منفوسة إلاّ كتب الله مكانها من النار أو من الجنّة إلاّ قد كتبت شقيّة أو سعيدة، قال: فقال رجل من القوم: يا نبيّ الله أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل، فمن كان من أهل السعادة ليكونّن إلى السعادة، ومن كان من أهل الشقوة ليكونّن = = إلى الشقوة، قال: اعملوا فكلّ ميسّرٌ، أمّا أهل السعادة فييسّرون للسعادة، وأمّا أهل الشقوة فيُيّسرون للشقوة، ثمّ قال نبيّ الله (فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ٭ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ٭ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى ٭ وَأَمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى ٭ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى ٭ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) الليل: 5 – 10.
(23) فصّلت: 35.
(24) تفسير المحيط الأعظم والبحر الخضمّ: ج1 ص302 ـ 306.
(25) العرفان الشيعي، د ـ خنجر علي حمية، دراسة في الحياة الروحية والفكرية لحيدر الآملي، دار الهادي، الطبعة الأُولى: 1425هـ : ص704، فلسفة الدين والكلام الجديد.
(26) تفسير المحيط الأعظم والبحر الخضمّ: ج1 ص240.
(27) فصّلت: 53ـ 54.
(28) العرفان الشيعي: ص705.
(29) تفسير المحيط الأعظم والحبر الخضمّ: ج1 ص291.
(30) عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينيّة، للشيخ المحقّق المتتبّع محمّد بن علي بن إبراهيم الإحسائي المعروف بابن أبي جمهور، تحقيق البحّاثة المتتبّع الحاج آقا مجتبى العراقي، مطبعة سيّد الشهداء عليه السلام ، قم، الطبعة الأُولى المحقّقة: 1405هـ : ج4 ص116.
وورد هذا المعنى في كلمات الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: (فتجلّى لهم سبحانه في كتابه من غير أن يكونوا رأوه…) الخطبة: 147 من خطب نهج البلاغة نسخة: الدكتور صبحي الصالح، وكذلك ورد في بحار الأنوار: ج92 ص107، عن الإمام الصادق عليه السلام.
(31) الحديد: 3.
(32) فصّلت: 53.
(33) تفسير المحيط الأعظم والبحر الخضم: ج1 ص341.
(34) عوالي اللآلي العزيزية: ج4 ص102.
قال بعض أهل المعرفة: (لمّا كانت جميع الموجودات الظاهرة بمظاهر الأسماء الإلهية، كلّها مجالي للحقّ تعالى، وكان الإنسان أتمّ مجاليه التي تظهر فيها حقيقته، إمّا بالقوّة أو بالفعل على مراتبه، كان الإنسان من حيث هو أعظم=
= المجالي وأشرف الكتب الإلهية. فكلّ من عرف نفسه وطالع في كتابه على ما هو عليه في نفسه، تجلّى له ربّه على ما ينبغي.
ولهذا قال تعالى: (اقْرَأ كِتابَكَ) الإسراء: 14 اعرف نفسك وكيفيّة ارتباطها ببدنك، واعرف الآيات والكلمات والحروف التي قد اشتمل عليها، فكفى بها حسيباً عليك وحجّةً في وجوب معرفتك لباريك.
وهذا هو السرّ في قوله تعالى: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ) الذاريات: 21، وقوله: (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الاْفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) فصّلت: 53.
كيف لا والإنسان هو أحسن المخلوقين وخالقه تعالى أحسن الخالقين: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسانَ فِي أحْسَنِ تَقْوِيم) التين: 4، وقوله: (ثُمَّ أَنْشَأناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أحْسَنُ الْخالِقِينَ) المؤمنون: 14.
(35) رواه الصدوق في التوحيد في باب أنّه عزّ وجلّ ليس بجسم ولا صورة، الحديث: 18، بإسناده عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام عمّا يروون أنّ الله عزّ وجلّ خلق آدم على صورته، فقال عليه السلام: هي صورة محدثة مخلوقة، اصطفاها الله واختارها على سائر الصور المختلفة، فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه والروح إلى نفسه فقال: (بَيْتِيَ) البقرة: 125، وقال: (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) الحجر: 29.
وأيضاً رواه في باب تفسير قول الله عزّ وجلّ: (كُلُّ شَيْء هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ) الحديث: 10ـ 11 بإسناده عن أبي الورد بن ثمامة عن عليّ عليه السلام وبإسناده عن الحسين بن خالد قال: قلت للإمام الرضا عليه السلام: يابن رسول الله: إنّ الناس يروون أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: إنّ الله خلق آدم على صورته، فقال: قاتلهم الله، لقد حذفوا أوّل الحديث، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله مرّ برجلين يتسابّان، فسمع أحدهما يقول لصاحبه: قبّح الله وجهك ووجه من يشبهك، فقال صلّى الله عليه وآله: يا عبد الله لا تقل هذا لأخيك، فإنّ الله عزّ وجلّ خلق آدم = = على صورته).
ورواه مسلم في صحيحه في باب: يدخل الجنّة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير. رقم الحديث: 2841. صحيح مسلم، تصنيف: الإمام الحافظ أبي الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري: 206ـ 261، اعتنى به أبو صهيب الكرمي، بيت الأفكار الدولية، ص1141.
(36) التغابن: 31.
(37) عوالي اللآلي العزيزية: ج1 ص52.
هذه الرواية لا يجوز أن تنسب الرؤية فيها إلى رؤية البصر، لأنّها لم تكن به، كما توهّمه جماعة، بل كانت بالبصيرة وهي الرؤية القلبية كما أوضحناه سابقاً، لأنّ الواجب بطريق العقل تأويل الرؤية بحكم الأُصول لئلاّ يؤدّي إلى التجسّم والحدوث والتحديد الموجب للإمكان.
يُنظر: التوحيد، بحوث في مراتبه ومعطياته: ج2 ص483 ـ 500.
والظاهر أنّ تلك الصورة التي رآه فيها وشاهد معانيه بها، التي هي أكمل الصور وأحسنها وأجمعها لتلك المعاني، ليس إلاّ صورته المحمّدية التي هي أحسن الصور وأشرفها وأجمعها لمعاني الكمال وصفات الجلال. إذ لا يمكن مشاهدة الحقّ تعالى ورؤيته على التمام إلاّ في الصورة الإنسانية الكاملة التي جميع كمالاتها حاصلة لها بالفعل، أو في غير الكامل لكن لا على التمام.
(38) تفسير المحيط الأعظم والبحر الخضم: ج1 ص242.
(39)نهج البلاغة ـ الخطبة الأولى.
(40) تفسير المحيط الأعظم والبحر الخضم: ج1 ص229.
(41) محمّد: 24.
(42) المدّثر: 48ـ 49.
(43) العرفان الشيعي: ص708.