الجمعة، 22 مارس 2013

الإمامة في جذورها القرآنية





                                                   الإمامة
                                           في جذورها القرآنية


                                                   الشيخ
                                              عبد الله دشتي


الإهداء

        إلى كل من يحمل قلباً سليما بين جنبيه ......
        إلى كل من يريد الخروج من الظلمات إلى النور ......
        إلى الباحثين عن الحقيقة ......
        إلى محبي الحق ......
       

إلى ] الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه [

       
أهدي هذا الكتاب عسى أن تكون مصباحاً تهديه إلى مصابيح الدجى محمد وآله الطيبين الطاهرين .






بسم الله الرحمن الرحيم










مقدمة

بسم الله والحمد لله والصلاة على خير الخلق وآله الأطهار

قليلا ما يجد المتابع جديدا في أمر الإمامة ، حيث تناول علماؤنا الأبرار رضوان الله تعالى عليهم أمر الإمامة بحثا وتمحيصا ، دفاعا وهجوما ، حلا ونقضا وذلك في معرض تناولها كعقيدة أم في عقائد الشيعة الإمامية . ولكن في هذا الكتيب أعدك أن تجد الجديد ، فالكلام ليس في إثبات الإمامة فقط ، بل درجة وضوحها أيضا.
وقد لا يكون الأسلوب مختـلفا ، وقد لا تكون الفكرة بصورتها العامة جديدة ، ولكن الجديد هو أن المؤلف قد انطلق من المنطلق القرآني ليصل حدا يعد معه مسألة الإمامة ظاهرة في القرآن ، دون الحاجة للتوسع في إعمال الفكر في دهاليز العقل ، ولا البحث في متاهات كتب الحديث وعلم الرجال لفك الغث منها عن السقيم ، كما تناوله العديد من  الكتّاب .
وأظنه بأنه بهذه الطريقة قد أنتج ثمرة علمية تسد ما خاله البعض   فراغا ، وتجيب على ما طرحه البعض تساؤلا ، وتجد حلقة ظنها البعض مفقودة .. ولعل قليلا من الأبحاث يؤدي هذا المؤدى .
وأما موضوع الكلام فهو عرض مرتكزات الإمامة في القرآن ، ولكي يعرف القارئ الكريم أهمية البحث ، نبدأ بعرض التساؤل التالي :
 ما هي حقيقة الضروريات في العقيدة ؟
فهل إن حصر تلك الضروريات أمر ثابت لا يتغير ؟ أم أن ذلك خاضع للظروف الزمانية والمكانية ؟ فيكون أمر ما ضروريا في زمن ما نتيجة ظروف قد تختلف في زمن آخر ومكان آخر لتؤثر على الضرورة ؟
بشيء من التأمل يظهر جليا أن أهم تلك الضروريات هو الإيمان بالله تعالى، إذ ينبع من منبع فطري عقلي لا ينفك عن وجود الإنسان  نفسه ، وتعرف أن الإيمان به تعالى ضرورة لا تقبل الخلاف من قوله تعالى : ] أفي الله شك فاطر السماوات والأرض [(1) .
ويتبعه في ذلك أهم صفتين لله عز وجل وهما العدل والحكمة التي تفرض وجود عالم المحاسبة والجزاء ، يقول تعالى : ] أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون [(2).
ثم يأتي ترتيب الضرورات حسب قيمتها الجوهرية في الحياة ، حيث يأتي دور الوسيط الهادي الحجة الذي يأخذ بيد الناس مبينا لهم سبيل النجاة ، يقول تعالى : ] وما كنا معذّبين حتى نبعث رسولا [(3).
وأما الإمامة  – وهي محور الحديث – فهي تنبع من البحث عن الحجة بعد النبي الخاتم وهي نفس الضرورة التي نتحدث عنها في النبوة ولكن الحجة في النبوة تأسيسية وليست كذلك بعد النبي الخاتم ولكن لا شك بضرورتها ، فما هي الصياغة القرآنية لها ؟
ووجودها واضح في القرآن في كلمة أولي الأمر في قوله تعالى         ] أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [(1) ، وفي وجود حاملين للكتاب بأبعاده التامة ] ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا[(2) ، وفي الشهادة على الناس ] لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [(3) ، وبعبارة أشمل البحث عن محل الرسالة - التي لا بد أن يكون لها محل - بعد رسول الله ( ص ) فأين جعلت وقد قال عز وجل  ] الله أعلم حيث يجعل رسالته [ (4) ؟
لن نستبق الأحداث ، فالبحث في هذا الكتيب يدور حول هذا الموضوع.


المعد


تمهيد

إن الأهمية الكبيرة لبحث الإمامة في القرآن الكريم تنطلق من أمور عدة:
 أولها : تعتبر الإمامة أصلا من أصول العقيدة عند الشيعة الإمامية ، فهل يعقل ألا يتعرض لها القرآن الكريم بشكل واضح ؟ ولو بمقدار ما بالقياس إلى التوحيد والنبوة التي تناولها القرآن بتوسع ؟

الثاني : روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : " من لم يعرف أمرنا من القرآن الكريم لم يتنكب الفتن "(1) ،  أي أن الموالي الذي لا يعرف إمامة أئمة من أهل البيت عليهم السلام من آيات القرآن الكريم لا يستطيع تجاوز الفتن .
وقد ورد عنه (ع) أنه قال : " لو تلي القرآن حق تلاوته لوجدتمونا فيه مسمين "(2) .
فلو تتبع الإنسان آيات القرآن ودقق فيها لوجد أن ذكر أئمة أهل البيت عليهم السلام واضحا كما لو كانوا قد ذكروا بالاسم في الآيات  الكريمة ، ومثل هذين النصين يفرضان على كل موال أن يدرس القرآن الكريم بهذا اللحاظ ، و يبذل وسعه في هذا السبيل .
الثالث : تركيز خصوم الشيعة على مسألة عدم وضوح عقيدة الإمامة في القرآن الكريم بحيث غدت من أهم الإشكالات التي تتكرر في كتبهم المتصدية لأصول مذهب أهل البيت عليهم السلام حتى قال بعضهم :

" وهل نجد لإمامة الإثني عشر ذكرا صريحا في كتاب الله كما ذكرت أركان الإسلام صريحة واضحة في مواضع متفرقة من كتاب الله من غير ما حاجة لمعرفة أصلها إلى تأويل باطني أو روايات موضوعة ، والإمامة عندهم أعظم أركان الإسلام ، فكيف لا تذكر ولا يشار إليها ، أليس هذا دليلا على أن مزاعم الإمامية في هذا الباب لا أصل لها ؟ وحينئذ لا بد من رفض هذه المزاعم لمناقضتها لكتاب الله" .

 أخي العزيز تلك هي المنطلقات التي تبرز أهمية هذا البحث .
 إن ما نقوم به في الصفحات التالية هو إبراز الجذور والأسس القرآنية لعقيدتنا في الإمامة ، وسيتضح أنها عقيدة قرآنية لا لبس فيها .
وفي الختام أوجه جزيل شكري للأخوين حامد العلي و ماجد آتش ، فلولا لمساتهما الأدبية والفنية لبقيت بعيدة عن النشر .
المؤلف


القسم الأول

مصير الحجّة
بعد الرسول ( ص )
في القرآن







ماذا نقصد بالإمامة ؟

في البدء لا بد من تحديد المقصود بالمفردة التي نتحدث عنها منعا للخلط الذي قد يعتري بعض الأبحاث نتيجة عدم تحديد مفردات البحث فيها . فنقول بأن الإمامة التي نريد أن نبحث عنها هنا هي : نوع وظيفة إلهية يتم اختيار الشخص الذي يوفق لها من قبل الله عز وجل فيكون حاملا للرسالة التي أنزلت على النبي ( ص ) من بعده ، عارفا بكل أبعادها من دون أن يكون نبيا .

فالرسالة مجعولة عند شخص ما بصورتها التامة بعد النبي ( ص ) كما هو ظاهر قوله تعالى ] الله أعلم حيث يجعل رسالته [(1) ، ومن ثم يشكل هذا الإمام استمرارا للحجة الإلهية على البشر له ما للنبي       ( ص ) إلا أنه ليس بنبي . فهو عالم بالشريعة بمقدار علم النبي بها ، والحجة على الناس كما هو الحال بالنسبة للنبي ( ص ) وأولى بالمؤمنين من أنفسهم كالنبي ( ص ) فلا يجوز لأحد التقدم عليه أو مخالفته .

وأما المخالف فلا يرى ثبوت مثل هذا المنصب بعد النبوة الخاتمة بأبعاده المذكورة آنفا ، بل كل ما يعتقد به هو وجود حاكم على المسلمين  يعين من قبل الناس ويعزل من قبلهم ولا علاقة له بالشريعة بالأصالة . نعم استثنوا الجيل الأول من الحكام فأعطوا سمة شرعية مميزة باعتبار أنهم من الصحابة . ولكنهم مع ذلك لا يرتبون الأثر المطلوب ، فهم على سبيل المثال يؤمنون بعلي (ع) كحاكم رابع ولكنهم لا يؤمنون بإمامته ، وإلا لاعتبروا من خالفه وقاتله كمن خالف وقاتل رسول الله ( ص ) مارق عن الدين .. وهذا واضح بيـّن .

أهمية البحث في هذا الأمر :
لا شك أن الإسلام هو دين الله تعالى الذي جاء لهداية كافة البشر، لذا يجب على الإنسان أن يعرف أحكام الإسلام الصحيحة الموجودة في القرآن  والسنة .

واختلاف السابقين منذ عهد الصحابة قد سبب اختلافا شديدا في فهم القرآن ، واختلافا أشد في تحديد سنـّة الرسول ( ص ) والمصادر التي يجب أن تؤخذ منها ، فضلا عن الخلاف في فهمها . لذا كان لدراسة هذا الاختلاف أثر مهم في فهم الإسلام الصحيح وتمييزه لا إنها مشكلة تاريخية انتهت بموت أطرافها .
 
 إعادة صياغة نقطة الخلاف :
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله حجة على الناس ولم يكن مجرد حاكم ، بل كان مبلغا للشريعة من قبل الله ، عالما بها وبمعاني كتاب الله عز وجل ، شاهدا على المسلمين ، قائدا سياسيا يجب أن يطاع على كل حال سواء كان خائفا ملاحقا في غار ثور أو كان رئيسا للدولة منتصرا على الأعداء فوجوب طاعته وكونه ولي أمر لم يكن بسبب حكمه للدولة بل هو حكم فرضه الله على المسلمين لأنه حجة الله عليهم ، وقيادة الناس سياسيا كانت إحدى مهامه لا كلها .

فإذا اقتضت الحجة رسولا بمثل تلك الصفات ليكون أهلا لها  .. فما كان مصير الحجة بعده على أرض الواقع ؟

منهج البحث عن الحقيقة :
تسالم المسلمون على استقاء معارفهم ومتبنياتهم من ثلاثة مصادر في   الشريعة :
الأول : العقل                    
الثاني  : القرآن الكريم          
الثالث : الحديث والسيرة

ونظرا إلى أن بحثنا معنون بعنوان الإمامة في جذورها القرآنية فسنركز على العرض القرآني للموضوع بنحو أساس مع ذكر النصوص المتفق عليها في توضيح بعض الآيات ، ولكن لا بد أن ننطلق من خلال استعراض البحث العقلي لدوره في تحديد الموضوع .


حديث العقل عن الإمامة                  
لابد في البدء أن نستعرض موقف العقل المتسائل عن قضية الإمامة .
فأين الحجة بعد رسول الله ؟
فرسول الله ( ص ) وإن كانت حقيقته المميزة له هي كونه نبينا بل خاتم الأنبياء ، ولكن الحاصل الذي ينعكس على الأمة كونه حجة بمعنى أن الشريعة كلها وجدت ببعثته ( ص ) فهو المحل الذي جعلت فيه أولا ، وينقطع بذلك عذر أي من البشر بعدم المعرفة ثانيا ، وثالثا هو الحاكم الذي يحسم الأمور في المجتمع الإسلامي .
وبعبارة أخرى هو ( ص ) ذو أبعاد ثلاثة هي العلم والشهادة والحكم إضافة إلى خصوصيته ( ص ) كنبي مرسل ، والأول واضح في قوله تعالى ] هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين [(1) ، والثاني في قوله تعالى ] يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا [(2) ، والثالث في قوله  U ] فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم [(3).

كما أن العقل يرفض إهمال الشريعة الخاتمة لمصير تلك الجوانب وعدم اتخاذ موقف تجاهها وذلك لسببين مهمين :
الأول : أن المفروض هو استمرار وجود شريعة خاتم الأنبياء بين البشر إلى يوم القيامة ، فوضوح معالم وأسس حفظ هذه الشريعة الخاتمة أمر ضروري لكل إنسان يريد أن يهتدي بدين الله بعد وفاة رسوله الخاتم .
والقرآن أساس تحصيل تلك الهداية واجتناب الضلالة ، قال تعالى :   ] ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين [(1). ولذلك حفظ القرآن فقال تعالى : ] إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون[(2). ولكن مقدارا مهما من أحكام الإسلام والبيان الصحيح للقرآن نفسه محفوظ في سنة النبي الخاتم ( ص ) ، ولا ريب بأن حفظ الإسلام مرهون بحفظ السنة المباركة . وهذا الحفظ يحتاج إلى تحديد معالم الجهة الحافظة للشريعة حتى يتسنى الرجوع لها . فأين هي الجهة الحافظة ؟
الثاني : هو تصريح القرآن بالوجود الفعلي لولي الأمر وحاكم المجتمع الإسلامي بعد وفاة الرسول ( ص ) ، حيث قال تعالى : ] أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [(3) ، وحاشا الله تعالى أن يكلف العباد بما لا يطيقون ، فيكلفهم طاعة من لا يعرفون ولا يستطيعون معرفته . فلابد من تحديد ولي للأمر أو بيان طريقة تحديدهم .

أما القائلون بأن رسول الله ( ص ) نص على علي (ع) فيرون أن الحافظ والشاهد وولي الأمر تحدد شخصه بهذا التعيين . وأما المخالفون لهذا الرأي فيرون أن الشريعة أهملت هذا الجانب ولم تتخذ موقفا منه ، فيجوز عندهم أن يكون الأمر شورى بين أفراد الأمة ، أو بين أهل الحل والعقد أو يعين من قبل الحاكم السابق ، أو يجوز أن يتعين بالقهر والغلبة .

و عند الاحتكام إلى القرآن سيتضح وبجلاء اهتمام هذا الكتاب العزيز بشأن بيان الحجة والمنصب الإلهي ومحله الذي جعله الله فيه بالمعنى الذي في قوله تعالى ] الله أعلم حيث يجعل رسالته [(1) وبين ذلك كله باستعراض للخطوط العريضة لها ، وأوكل التفصيل وذكر الأسماء إلى السنة الشريفة ، وهذا محور حديثنا التالي .





الحجة بأبعادها الثلاث
إن الكلام عن الحجة الإلهية يستلزم تناول أبعادها الثلاثة البارزة في القرآن ، وهي : العلم والشهادة والحكم .
وما نسعى إليه هو بيان الآيات التي تتحدث عن هذه الجوانب للحجة بعد رحيل رسول الله ( ص ) ، مع التركيز على التصريح القرآني بضابطتين لا تتفقان إلا مع عقيدة الشيعة الإمامية ، وهما :
أن الجهة التي حملت تلك الأبعاد تعلق بها اصطفاء إلهي .
أن المصطفين من عترة خاتم الرسل صلى الله عليه وآله .
وستناول في البداية الأبعاد الثلاثة مشيرين إلى علاقتها بالضابطتين  المذكورتين .

أولا : العلماء بالكتاب بعد رسول الله ( ص )

وهنا ينبغي التقديم بنقطتين :
الأولى : أن عبارة آتيناهم الكتاب في القرآن لا تتعلق دائما باليهود والنصارى .

إن من أهم المفردات التي يستخدمها القرآن حين الحديث عن علم الأنبياء السابقين لفظتي الكتاب والحكمة ، كما في قوله ] وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة [(1) . والظاهر أنه لا يقصد به خصوص العلم بالكتاب السماوي الذي ينزل على النبي بدليل قوله تعالى عن عيسى بن مريم ] وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل [(2) ، حيث يفهم من الآية أن الكتاب غير التوراة و الإنجيل .ة
وقد خوطب رسول الله ( ص ) بمثل هذا الخطاب كما في قوله تعالى            ] وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم [(3)
إذا ، فما يجده المؤمن القارئ لكتاب الله أن هناك حديثا قرآنيا عن أشخاص أوتوا علم الكتاب مع رسول الله ( ص ) ولا يمكن أن تحمل على أن المقصود بها اليهود والنصارى ، فلاحظ قوله تعالى : ]الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون[(4) .
وكذلك قوله تعالى: ] والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعوا وإليه مآب [(1) .
وقوله تعالى : ] وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا [(2) .
فلا يمكن حمل عبارة " الذين أوتوا الكتاب " في هذه الآيات على اليهود والنصارى ليكون المقصود بالكتاب التوراة والإنجيل ، فتأمل .. وسيتضح لك بأن هناك من أعطاه الله علم الكتاب من أمة النبي صلى الله عليه وآله .

النقطة الثانية : إن إتيان الكتاب قد يكون للنبي كفرد ، وقد يكون للعصبة الأسرية .
 ويدل عليه قوله تعالى ] وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين () ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم () ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون () أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين [(1) ، فلاحظ قوله ] ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم [ .

وأوضح من ذلك قوله تعالى ] فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما [(2)، حيث صرح بأن الإتيان لآل إبراهيم (ع) .

بل إن القرآن يصرح بأن الكتاب لم يؤت لشخص الرسول فحسب بل لمجموع عبر عنهم بأنهم أوتوا الكتاب ، قال تعالى :
] وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون () وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمنك إذاً لارتاب المبطلون بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون [(3).

وقد قسمت الآية الناس إلى :
] فالذين آتيناهم الكتاب [ ومدحتهم وبينت بأن كلهم يؤمنون بالكتاب .
] ومن هؤلاء [ أي الناس المعاصرين فبعضهم يؤمن لا كلهم .
] الكافرون [ وهم اليهود والنصارى من أهل الكتاب والمشركين الذين قالت عنهم بأنهم يجحدون ولا يؤمنون .
وأما إن اعتبرت الذين آتيناهم الكتاب هنا اليهود والنصارى فهذا غير  معقول ، إذ يكون معناها حينئذ أن اليهود والنصارى كلهم يؤمنون بما أنزل على رسول الله ( ص ) ، فبطلانه واضح .
إذا ، فالقرآن يثبت أن الكتاب قد يؤتاه النبي وحده ، وقد يؤتاه النبي كقائد ورئيس لآله وقد يكونوا مثله أنبياء وقد لا يكونوا .

آيات أخرى تدل على المطلوب :
وفي آيات أخرى تجد أن القرآن الكريم يذكر العلماء بتعبير ] أوتوا العلم [ كما في قوله : ] ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد [(1) . ومثله قوله تعالى : ] بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم [(1) ، والآية صريحة بأن القرآن واضح بيـّن عندهم ، لا في كتاب وقرطاس فحسب وإنما في الصدور .
وتارة تجدهم بعنوان ] الراسخون في العلم [ ، حيث قال تعالى    ] وما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا [(2).
خلاصة الكلام هنا أن :
 الكتاب ليس دائما هو التوراة والإنجيل ، بل هو أمر جليل آخر.
أن الكتاب قد يؤتاه النبي ، وقد يؤتاه النبي وآله .
أن الكتاب قد آتاه الله لمجموع مع رسول الله صلى الله عليه وآله ويرثوه بعده .

الدليل على اصطفاء مجموع مع رسول الله ( ص )

وقد صرح القرآن بذلك في  قوله تعالى : ] والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير () ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير [(3) ، فمن هذه الآية المباركة يتضح بأن الاصطفاء الإلهي قد تعلق بمجموع بعد رسول الله ( ص ) ولكن لا لنبوة بعده بداهة ، بل لحمل الكتاب – مهما كان معناه – بعد الرسول صلى الله عليه وآله .

فنلاحظ أن الآية تتحدث عن الكتاب الذي أوحي إلى خاتم الأنبياء والرسل ( ص ) وأن هذا الكتاب ذاته قد أورثه الله عز وجل بعد رسوله إلى الذين اصطفاهم من عباده ] ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا [ ، ودلالة كلمة الاصطفاء واضحة ، إنه اختيار أشخاص معينين من مجموع عباد الله بالمعنى الذي تكرر في القرآن الكريم عند الحديث عن اصطفاء الرسل ، والآية تقسم الناس إلى ثلاثة أقسام :
الظالم لنفسه                  
المقتصد                  
السابق بالخيرات
واللائق بالاصطفاء الإلهي لوراثة الكتاب ليس إلا القسم الثالث ممن صنفتهم الآية أي السابقين بالخيرات ، وهم يبينونه للناس من بعد النبي ( ص ) .
فالمعنى الظاهر للآية لا يتناسب إطلاقا إلا مع مذهب الشيعة ، ولا يمكن لغير الشيعة أن يعطي تفسيرا متلائما مع ظاهر الآية . نعم قد يشكل البعض على ما أوردناه بأن الآية ظاهرها بأننا أورثنا الكتاب الذين اصطفينا وهم عبادنا وينقسمون إلى ثلاثة أقسام ، ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات ، وليس في هذا ما يتلاءم مع عقيدة الشيعة في عصمة الأئمة واصطفاؤهم ؟

فنقول:
 إن ضمير " فمنهم " راجع إلى " عبادنا " الأقرب للضمير في الآية من " الذين اصطفينا " ، وبذلك ينتفي الإشكال من رأس ، لأن بناء على ذلك تكون الأقسام الثلاثة من العباد لا المصطفين  .
وقد يورد إشكال على اعتبار عبادنا مرجعا للضمير بأن الظاهر من نسبة العباد إلى الله هو المدح لهم فلا يتلائم مع القول بأن منهم ظالم ، وجوابه أنه هناك في القرآن مثل هذه النسبة لقوم ظالمين إلى الله كما هو الحال في قوله تعالى ] فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد [(1)، إذ لم يكن المبعوثين في الآية أهل صلاح كما هو رأي جل المفسرين .
ثم إن الإشكال يرد حتى على إرجاع الضمير إلى الذين اصطفينا إذ أنها صريحة في المدح ، ولذا يصعب قبول إطلاق لفظ الظالم لنفسه على المصطفى خصوصا مع ملاحظة قوله تعالى ] لا ينال عهدي   الظالمين [(1) ، مما يرجح إن مرجع الضمير هو " عبادنا " ، وعليه لم يتعلق الاصطفاء حقيقة إلا بالسابقين بالخيرات .
بل لو قيل بأن الضمير يعود على " الذين اصطفينا " ، فإن المتأمل يجزم بأن المجوز لهذا الإطلاق أي نسبة الاصطفاء إلى المجموع هو وجود من اصطفي حقيقة من بين ذلك المجموع .
 ويتبن الأمر من خلال التأمل في قوله تعالى لبني إسرائيل : ] يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين [(2) ، فليس المقصود كل بني إسرائيل بالضرورة ، ففيهم من عبد العجل وآذى الأنبياء حتى قال تعالى عنهم : ] أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا      تقتلون [(3) . وبهذا يتبن أن صرف قوله تعالى "فضلتكم على العالمين " إلى بني إسرائيل قاطبة خطأ ، وإنما يتضح الأمر بالرجوع إلى قوله تعالى : ]وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين [ ، فهم المفضلون لا كل بني إسرائيل فردا فردا . والذي جوّز وصف المجموع بأن الله تعالى اصطفاهم إنما هو وجود من اصطفاه الله في هذه الأمة وإلا لما صح هذا الوصف ، ويدلك على ما سبق قوله تعالى : ] وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين[(1) ، فهناك ذكر إن نعمة الله تفضيل بني إسرائيل وهنا صرح بأن نعمة الله جعل الأنبياء فيهم بما فيه بيان تفصيلي للتفضيل .
لذا ، فإنك إن رأيت أن ] الذين اصطفينا [ في آية المتن تعود للأمة كلها وفق الظاهر فإنها تكون على نفس المنوال ، بمعنى أنها أطلقت على المجموع بلحاظ من أنعم الله عليهم من أهل البيت عليهم   السلام ، الذين كان فضل الله عليهم عظيما ، فإطلاق العبارة على الأمة بملاحظة العصبة الخاصة فيها ، كما عبر عن أمة بني إسرائيل بأنهم فضلوا على العالمين بملاحظة جعل الأنبياء منهم .
وتجد مثل هذا في قوله تعالى ] كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر[ فلا شك أن المقصود بعض الأمة لقوله تعالى ] ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر [ ، ولا شك إن منكم للتبعيض .
ثم إن قوله تعالى ] أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما [(2) ، كالصريح في أن هذا المجموع هم من أهل بيت رسول الله ( ص ) .
فالآية تتحدث عن مجموع عبر عنهم بالناس حسدوا بسبب ما آتاهم الله من فضله وهذا الفضل يشبهه القرآن بالفضل الذي أوتي آل إبراهيم عليهم السلام هو إتيانهم الكتاب والحكمة والملك العظيم ، أفلا تشكل الآية دليلا على إن آل رسول الله ( ص ) أعطوا كما أعطي آل إبراهيم عليهم السلام فحسدهم الناس .

 أول العلماء بالكتاب بعد رسول الله ( ص )
صرح القرآن الكريم بأول الحاملين لعلم الكتاب في قوله تعالى ] قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب [(1) ، وقد حاولوا إخفاء الحقيقة ففسروا الآية بعبد الله بن سلام ، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره حيث اصطدم تفسيرهم بمعارضتها لمسلمات التاريخ وأقوال العلماء في ذلك .
فقد روى الطبري في تفسيره أن سعيد بن جبير سئل عن الآية أهو عبدا لله بن سلام ؟ قال : فكيف وهذه السورة مكية . وعن الشعبي قال : ما نزل في عبدا لله بن سلام شيء من القرآن(2) .
وقال ابن كثبر في تفسيره عند الحديث عن الآية : " وهذا القول غريب لأن هذه الآية مكية وعبدا لله بن سلام إنما أسلم في أول مقدم النبي المدينة "(1) .

وأما الحقيقة فقد نقل جزءا منها الطبري في تفسيره عن أبي صالح في قوله  ] ومن عنده علم الكتاب[  قال : رجل من الإنس ولم  يسمه(2) ، وسماه ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير حينما قال إن في تفسير الآية عدة أقوال وذكر منها أن المقصود علي بن أبي طالب قاله ابن الحنفية(3) ، وكذلك نقل القرطبي في تفسيره " وقال عبدالله بن عطاء قلت: لأبي جعفر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب t زعموا أن الذي عنده علم الكتاب عبدالله بن سلام فقال : إنما ذلك علي بن أبي طالب tوكذلك قال محمد بن حنفية "(4) .
وبهذا يعرف القارئ بأن الله تعالى قد اصطفى بعد رسول الله عصبة ورّثهم علم الكتاب وهم السابقون بالخيرات وأولهم علي بن أبي طالب (ع) .
روى الكليني عن بريد بن معاوية قال : قلت لأبي جعفر (ع) ] قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب [ ، قال :    " إيانا عنى وعلي أولنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي ( ص ) "(1) .

ثانيا : الشهداء بالكتاب بعد رسول الله ( ص )

الشهادة على الأمة أحد أهم أدوار الأنبياء وهي أحد الأوصاف التي وصف بها القرآن الكريم خاتم الرسل ] يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا () وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا [(2). وقد وضح القرآن الغاية من تلك الشهادة والتبشير والإنذار بقوله :  ] لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل [(3) ، فيكون الرسول هو الحجة الشاهد .

ولكنك تجد في القرآن قوله تعالى ] وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [(4) ، فكما وصف رسول الله ( ص ) بالشاهد على الأمة نراه يذكر شهداء على الناس غير رسول الله . وشهادة الرسول مقدمة بداهة فيتعين أن تكون شهادتهم بعده بل هي مستمدة من شهادة رسول الله ( ص ) عليهم . فالآية تبرز موضوع الحجة والشهادة بعد رحيل خاتم الرسل .

وأهم آية تحدد معالم الشهداء بعد الرسول هي قوله تعالى ] وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم     النصير [(1) .
فالآية تتحدث عن الشهداء بعد الرسول وتصرح بوجود صفتين لهم :
الأولى : " هو اجتباكم " ، وهي عبارة مرادفة للاصطفاء كما في قوله تعالى ] ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء [(2) ، فالاجتباء هنا بمعنى الاصطفاء.

الثانية : أنهم من ذرية إبراهيم (ع) ] ملة أبيكم إبراهيم [ ، وبذلك يتضح المقصودون بقوله تعالى ]وكذلك جعلناكم أمة وسطا [  فقد ورد في الكافي عن بريد العجلي قال : سألت أبا عبدالله عن قول الله تعالى : ] وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على    الناس [ فقال : " نحن الأمة الوسطى ، ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في أرضه "(1) .
وكذلك هم المقصودون في قوله تعالى : ] كنتم خير أمة أخرجت     للناس [ (2) ، ولو لم يكن الأمر كذلك لما تم معنى الآية ، إذ لو قصد كما يحاول البعض أن يوهم الناس بأن الشهادة هي للأمة جمعاء ، لتضارب المعنى فيكون الناس شهداء على الناس ، وهذا يخالف التقدم المفروض في رتبة الشهداء كونهم مجتبين مصطفين من قبل الله كالرسل والأوصياء .
وأما الإدعاء بأن الجميع هم خير أمة فمخالف للوجدان وما نشاهده   بالعيان ، وإن قيل بأنهم جزء من الأمة تعين المصطفين السابقين بالخيرات الذين هم من آل إبراهيم بصريح القرآن إذ لم يُدّعَ اصطفاء غيرهم من البشر كحجج بعده ( ص )

أول الشهداء بالكتاب
وكما بين القرآن أول العلماء بالكتاب بين كذلك أول الشهداء به وهما واحد وهو علي بن أبي طالب (ع) ، وهذا صريح مدلول قوله تعالى ] أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة [(1) . فمعنى قوله تعالى " منه " أنه من أهل بيته ، كما نقل البخاري في صحيحه كتاب الصلح ، باب كيف يكتب هذا ما صالح … عن البراء أن رسول الله ( ص ) قال لعلي  (ع) : " أنت مني وأنا منك "(2) .
فهو الشاهد الذي يتلو رسول الله أي يكون بعده ، بل صريح الروايات الواردة في مصادر السنة أن المقصود به علي (ع) ، قال السيوطي في ( الدر المنثور ) : " أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن علي بن أبي طالب t قال : ما من رجل من قريش  إلا نزل فيه طائفة من القرآن فقال له رجل : ما نزل فيك ؟ قال : أما تقرأ سورة هود ] أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه [ ، رسول الله على بينة من ربه وأنا شاهد منه " انتهى كلام السيوطي(3) ، ورواية ابن أبي حاتم وأبو نعيم عن عباد بن عبدالله عن علي (ع)(4) ، ورواه الطبري في تفسيره عن عبدالله بن يحيى عنه(ع)(5) .
ولا نجد تفسيرا يتوافق مع ظاهر الآية غير هذا في مقابل تفاسير متكلفة لا تتناسب مع مفرداتها ، فانظر إلى الآراء الأخرى التي عددها ابن الجوزي في تفسيره ( زاد المسير ) حيث قال :
" وفي المراد بالشاهد ثمانية أقوال :
أحدها  : أنه جبريل ، قاله ابن عباس وسعيد بين جبير ومجاهد وعكرمة وإبراهيم في آخرين .
والثاني   : أنه لسان رسول الله ( ص ) الذي كان يتلو القرآن قاله علي بن أبي طالب والحسن …
والثالث  : أنه علي بن أبي طالب و ( يتلوه ) بمعنى يتبعه رواه جماعة عن علي بن أبي طالب وبه قال محمد بن علي ، وزيد بن علي .
والرابع   : أنه رسول الله ( ص ) هو شاهد من الله تعالى قاله الحسين بن علي عليه السلام .
والخامس : أنه ملك يحفظه ويسدده قاله مجاهد .
والسادس : أنه الإنجيل يتلو القرآن بالتصديق وإن كان قد أنزل قبله لأن النبي ( ص ) بشرت به التوراة .
والسابع  : أنه القرآن ونظمه وإعجازه قاله الحسين بن الفضل .
والثامن   : انه صورة رسول الله ( ص ) ووجهه ومخايله لأن كل عاقل نظر إليه علم أنه رسول الله ( ص ) "(1) .
والحكم إليك أيها القارئ في تحديد التفسير المتوافق مع ظاهر الآية ؟
فما تريد الآية قوله أن عليا (ع) شاهد من رسول الله ( ص ) ويتلوه أي يعقبه ليقوم بدوره كهادي وحجة كما ورد عند الفريقين ، والخصم يعلم بأن الظروف السياسية والمذهبية لصرف روايات الشهادة عن علي كانت متأتية لهم ، ومع ذلك لم يتمكنوا من إخفائها كلها رغم سلطتهم  ونفوذهم ، ألا يمكن أن نفهم من ذلك كم كان الأمر جليا ؟

ثالثا : الحكام بالكتاب بعد رسول الله ( ص )

قال تعالى : ] فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر    بينهم [(2) ، حيث تبين الآية إحدى وظائف للأنبياء وهي حكومتهم وإدارتهم لمجتمعاتهم .

فبالنسبة إلى خاتم الرسل ( ص ) ، وردت آيات تتحدث عن هذه الوظيفة للرسول بلفظ الأولوية ، قال تعالى ] النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم [(3) ، وبمعناه قوله تعالى ] وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من  أمرهم [(1) . وبلفظ الولاية قال عز وجل ]إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا [(2) .
فمن الواضح أن هذه الوظيفة تثبت للنبي حتى من دون حصوله الفعلي على مقاليد الأمور والحكومة الواقعية ، وإن كانت الحكومة أجلى مصاديقها مع التمكن .
فرسول الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم وإن كان مطاردا كما حدث في مكة قبل الهجرة ، وأولى منهم وإن كان جيشه مهزوما ورباعيته تنزف دما ، فكونه أولى من المؤمنين من جملة حقوقه ، ومنها حق حكم المجتمع ، لا أن ذلك الحق ثابت فقط عند نجاحه في السيطرة على السلطة السياسية .
ووظيفته كحاكم إنما هي وظيفة أساسية يحتاجها المجتمع الإسلامي أثناء حياة الرسول وبعد وفاته ، بل إن الصحابة أفرطوا في حماسهم بعد رحيل الرسول ( ص ) إلى الدرجة التي تركوا معها جثمان الرسول وذهبوا إلى السقيفة لبحث هذا الأمر، فكيف يقال أن رسول الله (ص ) لم يتحدث عن هذا الأمر المهم ؟
وأما مصير هذه الوظيفة بعد الرسول فقد صرح القرآن بوجود أشخاص آخرين لهم نفس هذا الحق الذي كان لرسول الله في قوله تعالى ] أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [(1) ، فالآية قد قرنت طاعة أولي الأمر بطاعته ( ص ) ، مما يشعر بثبوتها بنفس الكيفية الثابتة لرسول الله ( ص ) .
إذا ، فهناك عصبة من الشهداء والعلماء اصطفاهم الله تعالى ، وقد ضم الله إلى ذلك كله فضيلة أخرى هي الحكم لتتم بها اكتمال أركان الحجة ، فماذا كان موقف الناس من هذا الأمر بالطاعة ؟
لقد صرح القرآن الكريم بأن الذين أوتوا الملك العظيم – وهي عبارة أخرى عن حق الحكم – هم من قبيل آل إبراهيم في قوله تعالى ] أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما [(2) ، وزاد فيه بيان موقف الناس منهم .
فالآية تتحدث عن فضل قوبل بالحسد ، وعن جعل سماه هنا إيتاء ، وعن شبيه للمتفضل عليهم هم آل إبراهيم .. إذاً ،  فالآل هنا هم آل محمد صلى الله عليه وآله الذين حسدهم الناس .
والله تعالى يسألهم : لماذا تحسدون أناسا آتاهم الله علم الكتاب والحكمة وآتاهم حق الحكم والملك ، ألأنهم آل النبي ( ص ) ؟
فلماذا وأنتم تعرفون من صريح آيات القرآن الكريم أن هذا الأمر له سابقة ، إذ أننا آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة والملك العظيم ، فلماذا الحسد لمن يستحق ذلك ؟
ولو فهمت أيها القارئ الكريم هذه الآية على حقيقتها لأدركت علة المصائب التي مني بها بيت النبي ( ص ) ، فالحسد كان هو الأصل في هذا العناد الذي مورس ضد أهل البيت عليهم السلام ، حتى بلغ الأمر لقتلهم  وسبي نسائهم في جيل عاصره الصحابة بل شارك بعضهم ببعض فصوله .
أول الحكام بالكتاب
بعد أن صرح القرآن الكريم أن هناك حكّاما ورثوا الكتاب ، يتعين بيانهم ليتسنى للمسلمين العمل بأمر الله وطاعتهم . لذلك بين الله تعالى أول الحكام بقوله : ] إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون [(1) . قال السيوطي في ( الدر المنثور ) : أخرج الخطيب في المتفق عن ابن عباس قال: تصدق علي بخاتمه وهو راكع فقال النبي ( ص ) للسائل من أعطاك هذا الخاتم؟ قال : ذاك الراكع فأنزل الله ] إنما وليكم الله ورسوله [.
وأخرج عبدالرزاق وعبد ابن حميد وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ] إنما وليكم الله ورسوله …[ الآية نزلت في علي بن أبي طالب(1) ، قال ابن الجوزي في ( زاد المسير ) : " وأذن بلال بالصلاة ، فخرج رسول الله ( ص ) فإذا مسكين يسأل الناس ، فقال رسول الله ( ص ) : " هل أعطاك أحد شيئا ؟ " قال : نعم قال :     " ماذا ؟ " قال : خاتم فضة . قال : " من أعطاكه ؟ قال : ذلك  القائم ، فإذا هو علي بن أبي طالب ، أعطانيه وهو راكع ، فقرأ رسول الله ( ص ) هذه الآية ، ورواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل وقال مجاهد نزلت في علي بن أبي طالب تصدق وهو راكع "(2) .
وهنا نقول أيضا أن الأمر لا يحتاج إلى التحقيق في سند الروايات لأن هناك إشعار واضح في الآية أن الحديث عن شخص ما وعن واقعة هي من التصدق في حال الركوع ، ولا يتوافق مع هذا الظاهر إلا المعروف من أن الحديث عن تصدق علي (ع) بالخاتم وهو راكع ، فهو المقصود ، وهو أول الحكام ، ويتناسب مع كونه هو أول العلماء بالكتاب وأول الشهداء به كما تبين فيما سبق .





القسم الثاني

اصطفاء البيوتات
في القرآن الكريم




سنة القرآن في اصطفاء الآل

ونسأل : هل اصطفاء آل النبي أمر غريب أم الغرابة في خلافه ؟
إذا حاولنا تتبع الأصول القرآنية لعقيدة الإمامة ، فلا بد من تتبع المنهج الإلهي لاختيار الأنبياء ، وستجد آنذاك نقطتين مهمتين :
النقطة الأولى : تجد أن القرآن يحصر منطلقات الاصطفاء بشكل جلي وواضح بالله تعالى وحده قال تعالى ] وربك يخلق ما يشاء ويختار ماكان لهم الخيرة [(1)  ، إذ لا يجب أن يبرر الله تعالى  تلك الاصطفاءات للبشر ] لا يسأل عما يفعل [(2) ، وهذا ما يشعر به أيضا قوله تعالى ] الله أعلم حيث يجعل رسالته [(3) ، وقوله تعالى ] ولقد اخترناهم على علم على العالمين [ (4) .
النقطة الثانية : أنه من الجلي والواضح أن الاختيارات الإلهية لا تتعلق دائما بشخص النبي بل نجد أن هناك اصطفاء لبعض بيوتات الأنبياء  ، وهذا ما صرح به في قوله تعالى ] إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين () ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم [(1)  .
 وقد نقل البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء باب قول الله تعالى      ( واذكر في الكتاب مريم ) قول ابن عباس : وآل عمران المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد " يقول إن أولى الناس بإبراهيم للذين أتبعوه وهم المؤمنون "(2) .
قال ابن حجر في ( فتح الباري ) : " وصله ابن أبي حاتم من طريق علي أبي طلحة عنه وحاصله أن المراد بالاصطفاء بعض آل عمران وإن كان اللفظ عاما فالمراد به الخصوص "(3) .
وقد رواه ابن أبي حاتم عند تفسير هذه الآية  ، قال : حدثنا أبي ثنا أبو صالح حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : " هم المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم "(4) .
وبه يتضح بما لا يحتمل التأويل أن تعلق الاختيار الإلهي قد يشمل أحيانا بعض بيوتات الأنبياء ، لا أشخاصهم المباركة فحسب .
 وإذا قرأت قوله تعالى : ] وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم () ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين () وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين () وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين () ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم [(1) ، تلحظ أن الآية صريحة في أن الاختيارات الإلهية هي إطار الآباء والأبنـاء والإخوان ، وقوله تعالى ] ذرية بعضها من بعض [هي إشارة إلى هذه الحقيقة .

الأمثلة القرآنية لاصطفاء البيوتات :
أولا : آل إبراهيم عليهم السلام
قال تعالى : ] إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين [(2) ، وهو صريح في اصطفاء آل إبراهيم عليهم    السلام ، وكذلك قوله تعالى في سورة النساء : ] أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما[(1) .
ومن الآيات التي صرحت في اختيار الله الأنبياء من ذرية إبراهيم (ع) قوله تعالى عن إبراهيم (ع) : ]ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين [(2) .

ومثله قوله تعالى ] ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون [(3). والواضح أن الذين أوتوا الكتاب هم من المحسنين من ذريته .

وأما المنطلق الذي يذكره القرآن لانتقال تلك الإمامة إلى ذرية إبراهيم (ع) فتتضح من قوله تعالى : ]وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين [(4) ، حيث دعا إبراهيم ربه لتكون الإمامة في عقبه وذريته ، وقد قبل الله تعالى ذلك وبيـّن له اختصاصها بغير الظالمين منهم ، وقد صرح  القرآن بانقسام ذريته إلى محسن وظالم في قوله تعالى : ] وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين () وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين [(1) ، بل إن الله تعالى قد صرح بأن الأمر باق في عقبه بقوله : ]وجعلها كلمة باقية في عقبه [(2) .
وكما سأل إبراهيم (ع) ربه أن يجعل ذريته أئمة للناس سأله أيضا أن يوفق الناس للإقتداء بهم في قوله تعالى ] ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم    يشكرون [(3) .
وتكمن الدلالة في لفظة ] أفئدة من الناس [  أي أن القلوب تودهم وهذا يتوافق مع موقعيتهم كأئمة هداية بين الناس ، وإلا فما الداعي  له ، خصوصا وأن القرآن لا يجيز مودة أهل المعاصي ] لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله [(4) ، ومنها يتضح بأن هوي الأفئدة يصل مداه في حال أئمة الهدى ، بل يصل حد الوجوب .
وسنبين في محله من الكتيب الذي بين يديك أن المقصود بالأجر في قوله تعالى ] ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين[(1) ، هو استجابة دعائه في جعل الأئمة في ذريته ، فبعد أن صرح بجعل النبوة والكتاب في ذريته بين عز وجل إتيان لأجر إبراهيم (ع) في الدنيا .

ثانيا : آل موسى وآل هارون عليهم السلام
وقد ورد ذكر آل موسى عليهم السلام في قوله تعالى : ] وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين [(2) ، ولكن الأوصياء في بني إسرائيل كانوا من ذرية هارون ، والتعبير عنهم بآل موسى باعتبار الوحدة الموجودة بين الأخوين فكأن أبناء هارون هم أبناء موسى ، فلاحظ .

وقصة انتقال الأمر إلى هارون تبدأ بدعاء موسى كما في قوله تعالى   ] قال رب اشرح لي صدري ()ويسر لي أمري () واحلل عقدة من لساني () يفقهوا قولي () واجعل لي وزيرا من أهلي () هارون أخي () اشدد به أزري () وأشركه في أمري () كي نسبحك كثيرا () ونذكرك كثيرا () إنك كنت بنا بصيرا () قال قد أوتيت سؤلك يا موسى [(1)  .

وقد استجاب الله دعوته كما في قوله تعالى : ] ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا [(2) .

وقد بين القرآن الكريم الموقعية الخاصة لهارون بالنسبة إلى موسى وكونه خليفة له في قوله تعالى : ]وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين [(3).

ومنه تستطيع أن تعرف حقيقة تركيز الرسول ( ص ) على أن موقعية علي (ع) منه كموقعية هارون من موسى كما أجمعت عليه الصحاح  كلها ، فقد روى مسلم في صحيحه كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل علي بن أبي طالب قول رسول الله ( ص ) لعلي : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي "(1)
ثالثا : آل يعقوب عليهم السلام
وهم وإن كانوا جزءا من آل إبراهيم كما هو واضح ولكن القرآن خصهم بالذكر عند الحديث عن يوسف بن يعقوب (ع) في قوله تعالى: ] وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم [(2) ، وكذلك عند الحديث عن زكريا (ع) حينما دعا الله عز وجل وطلب الذرية الصالحة  بقوله : ] فهب لي من لدنك وليا () يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا [(3) ، فاستجاب الله له ووهبه يحيى نبيا من الصالحين.
رابعا : آل داود عليهم السلام
وأما آل داود فقد ورد ذكرهم في قوله تعالى ] اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور[(4) ، والمقصود بهم على الأقل نبي الله داود وابنه سليمان عليهما السلام ، وقد بين القرآن الكريم أن سليمان ورث داود في قوله تعالى ] وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير[(1) ، فلا مناص من الاعتراف بانتقال المراتب الإلهية في ذرية الأطهار كما هو صريح هذه الآيات .ن
وقد صرح القرآن بقوله : ] قل ما كنت بدعا من الرسل [(2) ، أن رسوله الله ( ص ) هو كغيره من الرسل (ع) فلماذا يورث غيره من الأنبياء الفضل لعترتهم ، ويقف فضله دون الانتقال لآله ؟ هيهات هيهات ، والقرآن خير شاهد على خلافه كما تقرأ وتلاحظ .

خامسا :آل عمران عليهم السلام
وقد مر ذكرهم في قوله تعالى ] إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين() ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم [(3) .

بل إن الآية مسوقة بقصد الحديث عن قصة آل عمران والمقصود بعمران والد مريم عليها السلام كما هو سياق القصة إذ قال تعالى بعدها :  ] إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم [(1) ، وقد نقل في البحار رواية عن الباقر (ع) أنه سئل عن عمران أكان نبيا ؟ فقال :" نعم كان نبيا مرسلا إلى قومه " (2) .
والحصيلة أن المقصود بآل عمران الذين اصطفاهم الله عز وجل عمران أبو مريم ومريم وعيسى بن مريم عليهم وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام .

سادسا : آل زكريا عليهم السلام
لم يرد في القرآن الكريم التعبير بـآل زكريا ، إلا أن قصتهم لا تختلف عن آل داود وآل عمران ، بل هم معاصرون لآل عمران ، فعيسى ويحيى بن زكريا عليهم السلام أبناء خالة .
بل إن دعاء زكريا الله وطلب الذرية قد تكرر بعد أن رأى فضل مريم ابنة عمران كما هو تسلسل أحداث القصة في القرآن ] فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب () هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء () فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين [(1).

وقد كرر زكريا دعاءه بطلب الذرية الصالحة في قوله تعالى :         ] وزكريا إذ نادى رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين [(2) ، وكذلك في قوله : ] كهيعص () ذكر رحمة ربك عبده زكريا () إذ نادى ربه نداء خفيا () قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا () وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا () يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا () يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا [(3) ، وهذه الآية إضافة لما سبق ذكره تثبت مدعانا بأن اصطفاء البيوتات وعترة الأنبياء وآلهم أمر معروف بالقرآن لا ينكره إلا غافل جاهل .

تنبيهان مهمان
وهنا في ختام هذا الاستعراض للآيات التي تتحدث عن اصطفاء البيوتات ينبغي التنبيه على أمرين :
الأول : إن أي نبي قد ينسب تارة إلى أبيه فيقال أن يوسف عليه السلام هو من آل يعقوب وقد ينسب إلى جده فيقال هو من آل إبراهيم عليه السلام ، و زكريا ينسب إلى جده تارة فيقال إنه من آل يعقوب وتارة أخرى إلى جده الأعلى فيقال هو من آل إبراهيم عليهم السلام .
لذا لا ينبغي الإشكال بعدم ذكر آل محمد ( ص ) في قوله تعالى ] إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين [ لأن كما أن محمدا ( ص ) هو من آل إبراهيم عليهم السلامقال عز وجل ] وابعث فيهم رسولا منهم [(1) فهو داخل في آل إبراهيم ،كذلك آل محمد هم من آل إبراهيم ، وأما ذكر آل عمران فلأن الحديث عنهم في باقي الآيات .

الثاني : إن الاصطفاء الإلهي لا يتعلق بالأنبياء فقط ، بل إن الله عز وجل يختار الأشخاص لمسؤوليات أخرى غير النبوة ، ونجد مثال ذلك في آيتين :
الآية الأولى : عند الحديث عن مريم ابنة عمران حينما يقول عنها     ] وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العاملين [(1) . والمشهور أن المرأة لا تكون نبية .
والآية الثانية : عند الحديث عن طالوت حيث يقول عز وجل ] وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم [(2) . فاختيار الله تعالى لطالوت لم يكن للنبوة بل لمجرد قيادة الجيش وإدارة أمورهم  .
إذاً ، فمحاولة تخصيص الاصطفاء الإلهي بالنبوات فقط أمر خاطئ ترسخ في ذهن البعض من خلال هيمنة الفكر السني سياسيا ، مما أتاح لهم عرض ما شاءوا من أفكار تصطدم بآيات صريحة من القرآن وتناقضها دون إمكانية تعديلها من قبل خصومهم .
إذاً ، يتضح أنه لا تلازم بين ختم النبوة وانتفاء الاصطفاءات الإلهية ، فلا إشكال في ختم النبوة ، ولا مانع من استمرار اصطفاءات لغير النبوة ، وقد مرت الآيات التي صرح فيها القرآن الاصطفاء والاجتباء بعد رسول الله ( ص ) .
آل محمد ( ص )
أما آل محمد أشرف الأنبياء ( ص ) ، فإن كل ما سبق مما ذكرناه لم يكن إلا مقدمة لبيان موقعيه آل خاتم الرسل ، إذ أن من أهم الإشكالات التي تطرح على الشيعة هو أن عقيدتهم في إمامة أهل البيت عليهم السلام تقوم على أساس نظام الوراثة ، فيرفضون ذلك مع أن العرض السابق لآيات القرآن تظهر أن انتقال المنصب الإلهي في ذرية الأنبياء من سنن الله في السابقين ، وليس الأمر وراثة لكنه اصطفاء لمجموع من بيت واحد .

فقد تبين من خلاله أن اصطفاء آل الأنبياء أمر واضح في القرآن الكريم لا يخفى على أحد ، وإذا كان هناك إشكال في تقبل ذلك فهو إشكال موجه للقرآن قبل أن يُشكَل على عقيدة الشيعة التي تتلاءم وبوضوح مع القرآن ، بل هي مستقاة منه . فكل إجابة يتبناها المسلم لتبرير اصطفاء الله لبيوتات الأنبياء تصلح أيضا ردا للشيعة على المشكلين عليهم . ولكن بشيء من التأمل يلاحظ المتتبع بأن المشكلة الحقيقية هو في الحسد والهوى الذي يسيطر على بعض القلوب فتنكر الحق ، وإن كان هذا هو الداء فلا دواء له عندنا ، قال تعالى ] إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء [(1) .

ولكي نوضح للقاري بأن القرآن فيه ذكر صريح لآل محمد ( ص ) ، وبمعنى محدد للكلمة نستقرئ حديث القرآن عنهم في القسم الثالث الآتي .










القسم الثالث
آل محمد( ص ) في القرآن






كما قد بينا سابقا ، إن القرآن قد تحدث عن دور الأنبياء كشهداء على الأمم ، وكذلك عن كونهم العلماء بالكتاب والحكام به ، فتتم بذلك الحجة الإلهية على البشر .

ثم بينا بأن الاصطفاءات الإلهية لا تقتصر على الأنبياء ، وأن الله تعالى قد شمل باصطفاءاته بيوتات الأنبياء وذراريهم ، وليس رسول الله ببدع من الرسل ، ولنستعرض هنا بعضا من الآيات التي تثبت ذلك ، وهي آيات صريحة ، لا تفاسير باطنية يدعي خصوم الشيعة إن عقيدتهم قائمة عليها .

نعم ، بعد ثبوت الإمامة لهم والعلم والشهادة ، يثبت بأن تأويل القرآن في صدورهم ويؤخذ منهم ، فهم الراسخون في العلم العالمون بحقيقة متشابهات القرآن ، فيعتمد عليهم في فهم تفاصيل الإمامة وخصوصياتها ، وإليك أهم الآيات التي تناولت أهل بيت رسول الله   ( ص ) بالخصوص :

أولا : قوله تعالى ] إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [(1) .
نزلت الآية في حق خمسة وهم أصحاب الكساء محمد ( ص ) وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام والآية تقصدهم دون غيرهم ، وهي تساوق في المعنى ما نزل في حق مريم عليها السلام ] يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين [(1) ، حيث تدل على تعلق إرادة إلهية خاصة بطهارتهم .
وإرادة الطهارة هذه تختلف عن الإرادة العامة المتعلقة بكل الناس مثل التي في قوله تعالى ] ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم [(2) ، التي تتعلق بالوضوء ، فإرادة الطهارة هنا تسمى بالإرادة التشريعية وهي عامة .
وأما إرادة الطهارة لمريم ومثلها إرادة الطهارة عليها السلام لأهل البيت فهما إرادتان خاصتان بأشخاص معينين ، فهي إرادة لا يتخلف عنها مراد الله عز وجل ، كما في قوله : ] وجعلنا في ذريته النبوة      والكتاب [(3) ، وذلك عندما أراد جعل الإمامة في ذرية إبراهيم .
وأهم إشكال يورد على الآية مجيئها في سياق الحديث عن نساء النبي  ( ص ) فأولها ] وقرن في بيوتكن [ كما أن بداية الآية التي بعدها  ] واذكرن ما يتلى في بيوتكن  [ مما يعطي اعتقاداً بأنها تتحدث عن نساء النبي ( ص ) .

ولكن يتضح لكل باحث بأدنى مراجعة في الكتب المتخصصة ، أن ترتيب النزول غير ترتيب التلاوة في كثير من آيات القرآن الكريم ، فقد نقل السيوطي قول البغوي في ( شرح السنة ) :
"وكان رسول الله ( ص ) يلقن أصحابه ويعلمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل إياه على ذلك وإعلامه عند نزوله كل آية أن هذه الآية تكتب عقيب آية كذا في سورة كذا … وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة "(1) .
بل إن هذا أمر مسلّم عند أهل الاختصاص في بحث المكي والمدني ، لذا ذكر السيوطي فصلا بعنوان " في ذكر ما استثني من المكي والمدني ، قال : وقال ابن حجر في شرح البخاري :
" قد اعتنى بعض الأئمة ببيان ما نزل من الآيات بالمدينة في السور    المكية "(2).
ويتضح الأمر أكثر في بحثهم حول آخر ما نزل من القرآن الكريم فقد نقل السيوطي عن ابن عباس أن آخر ما نزل من القرآن "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ... "(1) ، ومع ذلك هي موضوعة بين آيتي الربا والديْن في سورة البقرة ، ] وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون () واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ()يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ... [ (2) .

 والروايات الواردة في بيان سبب نزول الآية كلها تجمع على عدم وجود أي ارتباط بين سبب النزول ونساء النبي كما سيأتي بيانها ، نعم قيل أن ترتيب القرآن وإن كان مخالفا لترتيب النزول يجب أن يكون له وجه مناسبة .

 فنقول في ذلك : قد يكون تغيير الترتيب لحفظ الآية من تناول يد المحرفين إذ القرآن كما يحفظ بالمعجز ، يمكن أن يحفظ بطرق طبيعية ، فضلا عن أن المناسبة غير مفقودة هنا وهو تذكير نساء النبي عند الحديث معهم بخصوصية البيت المنسوبين لها نسبة ما فلا يتصرفن كغيرهن من النساء .
فالآيات جاءت في صدد نصح زوجات النبي ( ص ) منبهة في الوسط  على عظمة البيت الذي نسبن إليه من خلال العلاقة الزوجية بقوله تعالى ] إنما يريد الله ليذهب  … [ ، كما يعد الخادم الذي يعمل في البيت منسوب إليه نسبة ما يجب أن يراعي معها الشرف الخاص لأهل البيت فلا يصدر منه ما يتنافى مع الموقعية الخاصة لأهل البيت الذي يعمل لديه  .
ومهما يكن ، فإنه لن يستطيع أحد أن يغض الطرف عن الغرابة في الانتقال من ضمير المؤنث إلى ضمير المذكر في الآية ، حيث يجب أن يبررها حتى من يدعي أنها تقصد نساء النبي ، باختصاصها لهن أو باشتراكهن مع الخمسة أصحاب الكساء عليهم السلام .
وإذا ادعى أحد بأن الضمير لدخول الرسول ( ص ) وعلي (ع) مثلا وهو المسوغ للانتقال إلى ضمير المذكر فإن ذلك يبطل السياق الذي يدعون . فلماذا انتقلت الآية للحديث عن النساء إلى الحديث عن رسول الله ( ص ) والخمسة أصحاب الكساء - بضميمة النساء أو بدونها – مع أن الكلام السابق عن خصوص نساء النبي ( ص ) وكذلك اللاحق . فما العلة في تلك النقلة ؟
ن
فإذا قال الخصم أن الانتقال لكي يبرز فضل رسول الله ( ص ) والخمسة أصحاب الكساء بالإضافة إلى الزوجات ، فنقول إذن لا مانع أن يكون الانتقال لبيان فضل الخمسة دون النساء ، فمن لا يرى مانعا من الأول ينبغي ألا يرى مانعا من الثاني ومن يستسيغ الأول يستسيغ الثاني .

ومع ذلك كله ، فإنه لم يقل أحد من علماء السنة ممن يعتد بقوله بأن الآية خاصة بالنساء  إلا ما روي عن الخارجي عكرمة ، لذا برروا تغير الضمير إلى المذكر بدخول الرجال معهم ، وعلماء السنة - ممن يحترم علمه  – قد ترددوا بين رأيين :
 أحدهما : أنها تشمل نساء النبي لسياق ترتيب القرآن والخمسة أصحاب الكساء وهو رأي مثل ابن كثير في تفسيره عند تفسيره للآية حيث يقول ردا لقول عكرمة أن الآية مختصة بأزواج النبي : " إن أريد أنهن المراد فقط دون غيرهن ففي هذا نظر فإنه وردت روايات تدل على أن المراد أعم من ذلك "(1) ، وقد قرأت ما قلناه في السياق .
والثاني : هو اختصاص المراد بالآية بالخمسة أصحاب الكساء وقد تبنى هذا الرأي الطحاوي  بقوة فقد ذكر بعض الأحاديث الواردة في الباب فقال :
" عن عامر بن سعد عن أبيه قال لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله   ( ص ) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا عليهم السلام وقال : " اللهم هؤلاء أهل بيتي " ، وعلق الطحاوي بقوله : " فكان في هذا الحديث أن المراد هم رسول الله ( ص ) وعلي وفاطمة وحسن وحسين "(1) .

إلى أن يقول :
"وحديث سعد وما ذكرناه معه من الأحاديث في أول الباب معقول بها من أهل الآية المتلوه فيها لنا قد أحطنا علما أن رسول الله ( ص ) لما دعا من أهله عند نزولها لم يبق من أهلها المرادين فيها أحد سواهم وإذا كان ذلك كذلك استحال أن يدخل معهم فيما أريد به سواهم ، وفيما ذكرنا من ذلك بيان ما وصفنا.
فإن قال قائل فإن كتاب الله تعالى يدل على أن أزواج النبي ( ص ) هم المقصودون بتلك الآية لأنه قال قبلها في السورة التي هي فيها ] يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا [ إلى قوله      ] الجاهلية الأولى [  فكان ذلك كله يؤذن به لأنه على خطاب النساء لا على خطاب الرجال ثم قال ] إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس [  .
فكان جوابنا له : أن الذي تلاه إلى آخر ما قبل قوله ] إنما يريد الله [ هو خطاب لأزواجه ثم أعقب ذلك بخطابه لأهله بقوله تعالى  ] إنما يريد الله [ ، فجاء به على خطاب الرجال ، وما قبله فجاء به بالنون وكذلك خطاب النساء "(1) . انتهى كلام الطحاوي .

وكذلك صرح بذلك الآجري ( ت 360 ) قال : " باب ذكر قول الله عز وجل ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ، قال محمد بن الحسين رحمه الله – أي الآجري – هم الأربعة الذين حووا جميع الشرف ، وهم علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم "(2) .

وبذلك صرح أبو المحاسن الحنفي : " في أهل البيت ، روي أن رسول الله ( ص ) قال لما نزلت هذه الآية ] إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [ دعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهم هؤلاء أهلي ، وروي أنه جمع فاطمة والحسن والحسين ثم أدخلهم تحت ثوبه ثم جأر إلى الله فقال رب هؤلاء أهلي قالت أم سلمة : يا رسول الله فتدخلني معهم قال : أنت من أهلي ، يعني من أزواجه كما في حديث الإفك من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي لا أنها أهل الآية المتلوة في هذا الباب يؤيده ما روي عن أم سلمة أن هذه الآية نزلت في بيتي … وما روي عن واثلة… ، وواثلة أبعد من أم سلمة لأنه ليس من قريش وأم سلمة موضعها من قريش فكان قوله ( ص ) لواثلة أنت من أهلي لاتباعك إياي وإيمانك بي وأهل الأنبياء متبعوهم يؤيده قوله تعالى لنوح ] إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح [ (هود 46) ، … والكلام لخطاب أزواج النبي ( ص ) تم عند قوله( وأقمن الصلاة وآتين الزكاة ) وقوله تعالى    ] إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت [استئناف تشريفا لأهل البيت وترفيعا لمقدارهم ألا ترى أنه جاء على خطاب المذكر فقال عنكم ولم يقل عنكن ، فلا حجة لأحد في إدخال الأزواج في هذه الآية يدل عليه ما روي أن رسول الله ( ص ) كان إذا أصبح أتى باب فاطمة فقال : السلام عليكم أهل البيت ] إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [ "(1) .

وأما القول بأن الآية تشمل النساء ورسول الله ( ص ) فقط دون علي وفاطمة والحسنين فهو رأي لم يقله إلا بعض أتباع ابن تيمية في زمننا المعاصر ممن لم يقرأ أقوال علمائهم ولم يعلم بالروايات الواردة في الباب .

ويكفي ردا على ذلك إيراد مسلم للرواية في صحيحه كتاب الفضائل باب فضائل أهل بيت النبي ( ص ) عن عائشة قالت : " خرج النبي   ( ص ) غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال :  ]إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [ "(1)  .
ولقد وردت عدة روايات عن أم المؤمنين أم سلمة تصرح فيها بقولها : " في بيتي نزلت هذه الآية " ؟ ثم تراها تفصل في شأن النـزول كما ينقل الحاكم النيسابوري في ( المستدرك على الصحيحين ) :
عن عطاء بن يسار عن أم سلمة قالت في بيتي نزلت : ] إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت [ ، قالت : فأرسل  رسـول  الله ( ص ) إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال هؤلاء أهل بيتي .  قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ، وقال الذهبي : على شرط البخاري(2) .

 وأخرج الحاكم أيضا بإسناد آخر:
 عن عطاء بن يسار عن أم سلمة ( رض ) أنها قالت في بيتي نزلت هذه الآية ] إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت [ ، قالت فأرسل رسول الله ( ص ) إلى علي وفاطمة والحسن والحسين رضوان الله عليهم أجمعين فقال : " اللهم هؤلاء أهل بيتي " ، قالت أم سلمة : " يا رسول الله ما أنا من أهل البيت "، قال : " إنك أهلي خير وهؤلاء أهل بيتي اللهم أهلي أحق " .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه . وقال الذهبي على شرط مسلم ، سمعه الوليد بن مزيد من الأوزاعي(1) .
ورواه الترمذي بسند آخر عن أم سلمة وفيه ، فقالت أم سلمة : وأنا معهم يا رسول الله ؟ قال إنك إلى خير . ثم أتبعه بقوله : " هذا حديث حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب "(2).
وعبارة " إنك أهلي خير " المذكورة في ( المستدرك ) نقلناها كما في الطبعة ولكن من الواضح وجود تصحيف إذ السياق يقتضي أن تكون " إنك على خير " ولا نستطيع الجزم بأنه متعمد ولكن الواضح إنه خلاف مزاج الكثيرين .
ن
ويظهر من ابن كثير اعتماده على هذه الروايات لقوله تعليقا على رأي عكرمة في أن الآية مختصة بأزواج النبي : " إن أريد – من قول  عكرمة – أنهن المراد فقط دون غيرهن ففي هذا نظر فإنه وردت أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك "(1) ، ومع كثرة ما أورد من الأحاديث التي تدل على نزول الآية في الخمسة أصحاب الكساء لم يورد رواية واحدة تدل على أنها نزلت في " الأعم " من ذلك .
ويذكر ابن تيمية تلك الروايات الواردة عن أم سلمة ، بعد ذكر رواية عائشة الواردة في صحيح مسلم بقوله : " وهو مشهور من رواية أم سلمة من رواية أحمد والترمذي "(2) .
بل الأعجب من ذلك أن مسلم في صحيحه يورد ما يدل على عدم كون الزوجة من أهل البيت ففي كتاب فضائل الصحابة باب فضائل علي بن أبي طالب ينقل الرواية عن زيد بن أرقم ثم يقول : فقلنا : من أهل بيته ؟ نساؤه ؟ قال :" لا وايم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها "(3) .

ثانيا : قوله تعالى ] قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور [(1) .
ودلالة الآية تنطلق من أن الرسل لا يسألون الناس أجرا دنيويا على عملهم وقد ذكر القرآن الكريم تصريح الأنبياء بذلك في عدة مواقع  ] وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين[(2) ، نعم هناك أمور يطلبها النبي ( ص ) من قومه قد يتوهم إنها من قبيل طلب أجر ، ولكن القرآن ينبه رسوله ( ص ) ليبين لهم ] قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد [(3).
ويبـين  القرآن الكريم أيضا أن كل ما يطلبه الرسول ( ص ) هو من قبيل الذكر الذي يوصلهم إلى الله عز وجل وهذا معنى قوله تعالى     ] قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا [(4).
وسواء كان الاستثناء متصلا بمعنى أن الرسول ( ص ) يطلب ما ظاهره    أجر ، أو أن الاستثناء منقطع بمعنى أنه لم يطلب أجرا بل يطلب أمورا أخرى تصب في صالح الناس .
 فقوله تعالى ] قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى [ في سياق استثناء يشبه الاستثناء الموجود في قوله تعالى ] قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين [(1) ، وهو من قبيل اتخاذ السبيل إلى الله كما قال عز وجل ] قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا [(2). حيث أن مودة أهل البيت الناتجة من موقعيتهم كأئمة هداية هو من قبيل الأمور التي يعود نفعها للناس وهي ذكر للعالمين ، وهي حتما من منطلق اتخاذ السبيل إلى الله .
ولما كانت دلالة الآية الكريمة واضحة ، فقد حاول البعض  – كالعادة - التشكيك في أن المقصود في الآية هم أهل بيته الخمسة ، فنقول :
قد ذكر ابن كثير في تفسيره أن كبار التابعين كالإمام علي بن الحسين عليهما السلام وسعيد بن جبير وعمرو بن شعيب ذكروا نزولها في أهل البيت كما نقل عنهم ذلك ابن كثير بقوله : " وقول ثالث وهو ما حكاه البخاري وغيره رواية عن سعيد بن جبير ما معناه أنه قال معنى ذلك أن تودوني في قرابتي أي تحسنوا إليهم وتبروهم "(1) .
 فضلا عن أن الحاكم في ( المستدرك ) نقل عن الإمام الحسن (ع) قوله : "وإنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم فقال تبارك وتعالى ] قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا [ فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت "(2)  .
وذكر ابن كثير في تفسيره قول السدي عن أبي الديلم قال : لما جيء بعلي بن الحسين ( رض ) أسيرا فأقيم على درج دمشق قام رجل من أهل الشام فقال الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرن الفتنة فقال له علي بن الحسين ( رض ) أقرأت القرآن ؟ قال : نعم ، قال : أقرأت آل حم ؟ قال : قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم ، قال : ما قرأت ] قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى [قال وإنكم لأنتم هم ؟ قال نعم .
وقال أبو إسحاق السبيعي سألت عمرو بن شعيب عن قوله تبارك وتعالى   ] قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى [ فقال قربى النبي رواهما ابن جرير الطبري (1) .
وقد ذهب بعض العامة إلى أن الآية تقصد : إلا أن تودوني لقرابتي منكم ، واستندوا في ذلك إلى رواية رواها البخاري في صحيحه في كتاب التفسير سورة الشورى عن ابن عباس ( رض ) أنه سئل عن قوله : ] إلا المودة في القربى  [فقال سعيد بن جبير قربى آل  محمد   ( ص ) فقال ابن عباس عجلت إن النبي ( ص ) لم يكن بطن من قريش إلا كان له في قرابة فقال إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة(2) .
ومما يبطل هذا القول أن الاستدلال المذكور ليس برواية عن رسول الله       ( ص ) ، بل هو قول صحابي إن صحت نسبته له ، على أننا نجد في المقابل قول الحسن (ع) وهو صحابي ويدعمه ثلاثة من التابعين ، لذلك فهو مقدم على ما روي عن ابن عباس لو فرض صدوره منه .

والذي يشكك أكثر بصدور ذلك الكلام عن ابن عباس ما رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى" قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم ؟ قال :" فاطمة وولدها عليهم السـلام "(1) .
فالأمر يعود إلى القارئ لكي يختار ، أيرجح قول صحابي تعارض النقل عنه ، أو قول صحابي آخر وثلاثة من التابعين الكبار ؟
والعجب أن مصادر العامة التي تنقل تلك الرواية عن ابن عباس وتعدها في الصحاح حينما تأتي إلى تفسير قوله تعالى : ] واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى [(2) ، ولتحديد المقصود بذي القربى تجدهم ينقلون عن ابن عباس ما يضاد الكلام السابق في آية المودة .
حيث يروي مسلم في صحيحه كتاب الجهاد باب النساء الغازيات عن يزيد بن هرمز قال : كتب نجدة بن عامر الحروري إلى ابن عباس يسأله عن ... وعن ذوي القربى من هم ؟ فقال ليزيد : اكتب إليه فلولا أن يقع في أحموقة ما كتبت إليه ، اكتب … وكتبت تسألني عن ذوي القربى من هم ؟ وإنا زعمنا أنا هم فأبى علينا قومنا(3) .
فهذا الذي ينكر على قومه أن يكونوا مصاديق لذوي القربى كيف يقول في تلك الرواية أن كل قريش هي قرابة رسول الله ( ص ) في قوله تعالى ] قل لا أسألكم أجرا … [ ؟

بل نقل ابن كثير في تفسيره الرواية بزيادة " وقالوا قريش كلها ذوو القربى "(1) وهي تبين علة إباء قريش عن إعطاء بني هاشم حقهم .
وقد شكك البعض بالدلالة من حيث أن من عادة القرآن أن يبعد بذي القربى فأي وجه لأن يقول في القربى . وقد ردّ ذلك الزمخشري في تفسيره بقوله :
" ( فإن قلت ) : هلا قيل إلا مودة القربى أو المودة للقربى وما معنى قوله إلا المودة في القربى ؟ ( قلت : ) جعلوا مكانا للمودة ومقرا لها كقولك : لي في آل فلان مودة ولي فيهم هوى وحب شديد تريد أحبهم وهم مكان حبي ومحله ، وليست " في " بصلة للمودة كاللام إذا قلت إلا المودة للقربى إنما هي متعلقة بمحذوف تعلق الظرف به في قولك المال في الكيس ، وتقديره إلا المودة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها والمراد في أهل القربى "(2)  .
 وأما ما يذكر من أن الأنبياء لا يسألون أجرا على تبليغ الرسالة الإلهية بل أجرهم على الله ، فهذا وإن كان مرجحا لانقطاع الاستثناء في الآية ، ليصبح المعنى لا أسألكم أجرا أبدا فالنبي لا يطلب أجرا ماديا ، وإنما يطلب أن تتخذوا السبيل إلى الله مع القربى المذكورين ، وهذا طلب يعود نفعه لكم ويصب في صالحكم ] قل ما سألتكم من أجر فهو لكم [(1).
ولكن مع ذلك فإن احتمال كون الاستثناء متصلا قوي ، وأنه ( ص ) سألهم أجرا تجوزا في الكلام لا أنه أجرا حقيقة لاحظ ما ذكره الزمخشري في تفسيره : " يجوز أن يكون استثناء متصلا أي لا أسألكم أجرا إلا هذا وهو أن تودوا أهل قرابتي ولم يكن هذا أجرا في    الحقيقة "(2) .
 نعم الأجر إن كان من الله قد يكون أخرويا وقد يكون دنيويا فقد أعطي إبراهيم (ع) أجره في الدنيا فقال عز وجل ]وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين [(3) ، فالله تعالى قد أعطاه أجرا في الدنيا وهذا الأجر لابد كان في جعله إماما للناس ، وألحق به ذريته أئمة للناس كما طلب ذلك بنفسه (ع) في قوله تعالى : ] وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين [(1) .
فإن كان القرآن يذكر أجرا لإبراهيم (ع) ، فإنه من الراجح إذا أن مثل هذا الأجر يعطى لأفضل الأنبياء وخاتمهم ، بل إن صريح القرآن أن أجره ( ص ) هو أعظم الأجر كما في قوله تعالى : ]وإن لك لأجرا غير ممنون [(2).

إذا ، فالاستدلال بالآية لا يقتصر على ثبوت اتصال الاستثناء ، بل حتى مع الانقطاع الاستدلال تام .
ثم أن رسول الله ( ص ) لا يمكن أن يعتبر مودة قرابته مجرد تعاطف نفسي معهم ، بل من المستبعد أن يتكلم القرآن الذي هو دستور حياة المؤمن بعبارة ذات طلب من الناس ، بينما القصد هو مجرد عواطف ومشاعر لا تؤثر في روح الإنسان ومسيرته نحو ربه ، فهل يمكن أن نعتبر المودة في القربى مجرد تعاطف أم هي أمر دخيل في صميم الهداية ؟

ثالثا : قوله تعالى ] فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين [(1).
جاء في صحيح مسلم باب فضائل علي (ع) عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال : أما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله ( ص ) فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم … فعدد الأولى والثانية وعن الثالثة قال: لما نزلت هذه الآية ] فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم [ دعا رسول الله ( ص ) عليا وفاطمة وحسنا وحسين ، فقال :  " اللهم هؤلاء أهلي "(2) .
وما يتصل ببحثنا من هذه الآية  المباركة أن عليا (ع) قد عُرِّف هنا بأنه نفس رسول الله ( ص ) ، وهذا واضح بعد العلم بأن الآية نزلت في الخمسة أصحاب الكساء كما هو صريح رواية مسلم السابقة وأبناءنا في الآية تنطبق على الحسنين عليهم السلام ونساءنا على الزهراء  عليها السلام ولا مناص من القول بأن عليا (ع) ذكر بلفظ وأنفسنا .

 وقد صرح ابن كثير - على تعصبه – بذلك في تفسيره ، بعد ذكره لقصة المباهلة نقلا عن ابن مردويه عن جابر وفي آخرها قال جابر : وفيهم نزلت  ] ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم [ قال جابر ] أنفسنا وأنفسكم [ رسول الله ( ص ) وعلي بن أبي طالب ] وأبناءنا [الحسن والحسين ] ونساءنا [ فاطمة(1)  .
والنقطة المهمة الأخرى أن الآية قد وردت بعد قوله تعالى ] إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين () ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم [(2) ، ثم ذكرت بعدها قصة آل عمران مفصلة بدءا بقوله تعالى : ] إذ قالت امرأة عمران ... [ثم يعطف بعد ذلك على قصة زكريا وطلبه للذرية التي ترث آل يعقوب وإجابة الله لدعوته ، ومن ثم تعود الآية إلى قصة مريم واصطفائها ، ثم قصة المسيح عيسى بن مريم (ع) إلى الآية 60 من السورة ، ثم يأتي قوله تعالى ] فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعو أبناءنا … [ .

 فمن الواضح من سياق الآية – أن الحديث عن أهل بيت الرسول    ( ص ) ، كوجود يماثل آل عمران التي ذكرت قصتهم مفصلة ، والأعجب أن الآيات التي بعدها ترجع وتكمل الحديث عن المسيح (ع) ] قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء … [ الآية 64 ، ثم يقول تعالى : ] ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون ... [ الآية 66 ، ثم يذكر قوله تعالى ] ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين () إن أولى الناس بإبراهيم للذين أتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين [(1) ، وليس الذين آمنوا هنا إلا نفس من عبر عنه بذلك في آية الولاية كما سنبين أكثر ، فدلالة الآية واضحة على المعنى العام ، ثم المعنى الجزئي الذي يرتبط بآية المباهلة ، وهي دلالات عامة وخاصة تدل على فضل خاص لأهل البيت بما لا يرقى إليه أحد غيرهم عليهم السلام .

رابعا : قوله تعالى ] سلام على إل ياسين  [(2)

تحدثت الآيات التي تسبق هذه الآية عن إلياس (ع) ، إذ قال تعالى :      ] وإن إلياس من المرسلين [ ، لذا حاول مفسرو العامة بذل جهدهم لتفسير آل ياسين بـ " إلياس " ، بادعاء أن من عادة العرب تغيير بعض الألفاظ إلى ما يقاربها في النطق كما في سيناء وسينين .
ولكنهم هنا يصطدمون بنقطة أساسية لم يستطيعوا تبريرها ، وهي فصل كلمة : " آل "  عن : "ياسين " . حيث وجدت في المصاحف العثمانية القديمة بهذا الشكل .
قال ابن جرير في تفسيره: " واختلف القراء في قراءة قوله ] سلام على آل ياسين [ فقرأته عامة قراء مكة والبصرة والكوفة ]سلام على إلياسين [ وقرأ عامة قراء المدينة ] سلام على آل ياسين [ بقطع آل من ياسين فكان بعضهم يتأول ذلك بمعنى سلام على آل محمد(1) .
هذا علما بأن ثلاثة من القراء كانوا يقرءون آل ياسين وهم نافع وابن عامر ويعقوب(2) ، وقال الواحدي في تفسيره : وقرأ نافع على آل ياسين وحجته إنها في المصحف مفصولة من ياسين(3) ، ونقل ذلك غيره ، فهذا إقرار من الجميع بأنها كانت مفصولة في المصاحف فكيف جاز لهم قراءتها بالوصل بياسين ؟
 هذا وقد نقل ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس .. في قوله      ] سلام على آل ياسين [ قال : نحن آل محمد ( آل ياسين )(1) وذكره الطبراني في معجمه الكبير(2)، قال الشوكاني في ( فتح القدير ) : وقال الكلبي : المراد بآل ياسين آل محمد(3) .
وعموما فبمجرد الاعتقاد بحجية القراءات المتواترة كلها مع كون أكثر من قارئ قرأ ] سلام على آل ياسين [ يكفي في صحة الإستدلال بهذه الآية .

خامسا : قوله تعالى ] إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما  [(4) .

وقد ورد في صحيح البخاري كتاب التفسير تفسير سورة الأحزاب عن كعب بن عجرة ( رض ) قيل يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة قال قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد . ورواه عن أبي سعيد الخدري  أيضا(1) .
ورواه مسلم في صحيحه كتاب الصلاة باب الصلاة على النبي ( ص ) بعد التشهد ، عن أبي مسعود الأنصاري وعن كعب بن عجرة(2) .
لذا وإن لم يكن في الآية إشارة إلى آل محمد ( ص ) كما هو واضح ولكن إجماع المسلمين على صيغة الصلاة على النبي وإلحاق آله به ، بل وتشبيههم بآل إبراهيم عليهم السلام إنما هو إرادة انتقال كل ما كان لإبراهيم وآله إلى محمد وآله . وهل كانت بركة إبراهيم في زوجاته حتى يقال إن المقصود بآل محمد زوجاته ؟ أم أن بركة إبراهيم في أبنائه كما في قوله : ] ومن ذريتي [ وقوله : ] جعلنا في ذريته النبوة والكتاب [ وقوله : ] إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع [ ؟
وقد روى في ( عيون أخبار الرضا ) ، عن الريان بن الصلت في حديث مجلس الرضا ( ع ) في الآيات الدالة على الاصطفاء : " أما الآية السابعة : فقوله تبارك وتعالى : ] إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [ ، وقد علم المعاندون منهم أنه لما نزلت هذه الآية ، قيل يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك ، فكيف الصلاة عليك؟ فقال تقولون : اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، فهل بينكم – معاشر الناس – في هذا خلاف ؟ فقالوا : لا .
قال المأمون : هذا مما لا خلاف فيه أصلا ، وعليه إجماع الأمة ، فهل عندكم في الآل شيء أوضح من هذا في القرآن ؟
فقال أبو الحسن (ع) : نعم أخبروني عن قول الله عز وجل ] يس والقرآن الحكيم  إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم [ فمن عنى بقوله ( يس )؟
قال العلماء : ( يس ) محمد ( ص ) لم يشك فيه أحد قال أبو الحسن  (ع) : " فإن الله عز وجل أعطى محمدا وآل محمد من ذلك فضلا لا يبلغ أحد كنه وصفه إلا من عقله وذلك أن الله عز وجل لم يسلم على أحد إلا على الأنبياء صلوات الله عليهم فقال تبارك وتعالى ] سلام على نوح في العالمين [ وقال ] سلام على إبراهيم[ وقال ] سلام على موسى وهارون [ ولم يقل سلام على آل نوح ولا على آل موسى ولا على آل إبراهيم وقال عز وجل ] سلام على آل ياسين [ يعني آل محمد ( ص ) "(1) .



سادسا : آل محمد ( ص ) هم آل إبراهيم عليهم السلام

قال تعالى ] إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين[(1) .
فلاحظ أن تعبير ] هذا النبي والذين آمنوا [ في الآية  ، هو نفسه في قوله تعالى : ] إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا [(2) ، وقد مر الحديث بأنه علي (ع) وأما الذين اتبعوا إبراهيم فقد ذكروا في قوله تعالى ] وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام () رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم [(3) ، فالمقصود به ذريته المحسنة التي استجاب دعائه بهم فلذا قال " فإنه مني " ، وما نريد قوله أن الآيات في النهاية رجعت وبينت من هم آل إبراهيم الحقيقيون الذين أشير إليهم في قوله تعالى : ] إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين [ .
وأكبر دليل على كون محمد ( ص ) من آل إبراهيم دعاء إبراهيم (ع)     ] ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم [(1) . وقد روى أحمد في مسنده عن أبي أمامة قال : قلت يا رسول الله ما كان أول بدء أمرك ؟ قال " دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى بي ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت منها قصور الشام "(2) .
المهم أننا وجدنا في القرآن ذكرا صريحا لوجود الاصطفاء بعد خاتم الرسل كما في قوله تعالى : ] ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا [(3) ، وقوله تعالى : ] هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من  قبل [ (4) ، بل هو ظاهر قوله تعالى : ] وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون  [(5) ، ولو كان المقصود بكلمة " عقبه " أي بعده ، لما كان لحرف " في "  معنى في الآية ، لذلك فإن الأصح أن يكون معناها عقبه أي ذريته ، مما يتناسب مع الآيات التي تحدثنا عنها سابقا .
وبناء على ما ورد في صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضل نسب النبي ( ص ) عن واثلة بن الأسقع قال : سمعت رسول الله ( ص ) يقول : " إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم "(1) .
فيجب أن يكون هؤلاء الذين اصطفاهم الله من بني هاشم قبل غيرهم من قريش ، ويجب أن يكون الخلفاء الإثنا عشر المذكورين في روايات البخاري ومسلم هم من بني هاشم من قريش لا من بطونها الأخرى .
 والعجب منهم يقبلون الرواية التي ينقلها البخاري في كتاب الأحكام باب الأمراء من قريش عن ابن عمر إن رسول الله ( ص ) قال : " لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان "(2) ولا يقبلون أن نقول أنه في بني هاشم ويعدونها من التوارث المذموم .
ومن أعظم الآيات التي تدل على التلازم بين آل إبراهيم عليهم السلام وآل محمد ( ص ) قوله تعالى :] أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا () أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وأتيناهم ملكا    عظيما [(3) ، فالآية تتحدث عن مجموع محسود زمن رسول الله ( ص ) ، ويشبه آل إبراهيم في تعنونه بعنوان الآل لذا القرآن يعترض على الحاسدين بما يعني أن إعطاء الفضل لبيت من بيوتات الأنبياء ليس أمرا لا سابقة له بل كلكم يعرف حدوثه في آل إبراهيم عليهم السلام .
فلذا لا يمكن أن يكون المقصود إلا آل محمد ( ص ) ، والعجب هنا أيضا أن بعد تلك الآيات بقليل يقول عز وجل ] إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا () يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم… [(1) .
فانظر إلى تسلسل الآيات
 أولا : النهي عن حسد من أعطاهم الله من فضله أي الكتاب والحكمة والملك العظيم كما آتى آل إبراهيم .
ثانيا : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل .
ثالثا وأخيرا : الأمر بطاعة الله وطاعة الرسول وأولي الأمر .
ألا يكشف هذا التسلسل من هم أولي الأمر ومن هم المحسودون ؟





القسم الرابع


خاتمة



خاتمة

لماذا لم يركز القرآن على الإمامة كتركيزه على النبوة ؟
فهنا سؤال مهم نعتقد بضرورة الإجابة عليه :
فإن البحث السابق وإن استطاع إن يبرز وجود عقيدة الإمامة في القرآن ، ولكن يبقى سؤال وهو أن القرآن عندما تحدث عن عقائد المؤمنين حددها بشكل واضح ، كما في قوله تعالى ] ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين [(1) ، وكذا في قوله تعالى ] آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله لا نفرق بين أحد من رسله[(2) ، وأيضا قوله تعالى ] يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضللا بعيدا [(3) .

وكما ترى ليس بينها الإيمان بالإمامة كأصل من الأصول ، فكيف يمكن مع هذا القول بأن الإمامة من الأصول الاعتقادية ؟
 ويبقى تساؤل آخر وهو لماذا لم يتم التصريح بهذا كله بصورة جلية واضحة لا يمكن لأصحاب الهوى العبث بها وذلك من خلال تحوير المعاني ؟ ألم يمكن التصريح باسم علي (ع) كإمام في كتاب الله فتنتهي المشكلة ؟

وأما الإجابة فنقول :
كما ترى أن السؤال ذو شقين الأول يتعلق بعدم ذكرها في سياق آيات تتحدث عن اعتقادات المسلمين ، والثاني بدرجة التصريح بأمر الإمامة .

أصول العقائد المصرح بها في كتاب الله
 فأما الشق الأول فلاشك أن هناك فرقا بين الاعتقاد بالله والرسول واليوم الآخر والاعتقاد بالإمامة فالثلاث الأول تشكل أساسا للإسلام بحيث أن المنكر خارج عن الملة والدين ، وهي الأمور التي كان رسول الله ( ص ) يدعو إليها في المراحل الأولى من الرسالة باعتبار أنه يريد أن يخرجهم من الكفر والشرك إلى الإسلام ، ولا نريد أن نقول أنه لم يذكر أمر الإمامة في المراحل الأولى ولكن الحديث عن عدم التركيز الإعلامي على الأمر ، كما برز في المراحل المتأخرة من الرسالة .
ومن الطبيعي أنه في هذه المرحلة لا يركز على الأصول التي تشكل مرحلة ثانية من حيث الترتيب ومن حيث الأهمية ، فلذا انصب جهد رسول الله ( ص ) وكذلك القرآن الكريم على هذه العقائد التي تعبر عن حقيقة الدخول في الإسلام ، ويعد عدمها خروجا عن الإسلام .
وهذا الأمر واضح في تقسيم كل العلماء لآيات القرآن إلى مكي ومدني ووضح مميزات للآيات المكية تميزها عن الآيات المدنية ، ونحن نريد أن نقول أن هناك آيات تعبر عن مواجهة للمشركين وأهل الكتاب في عقائدهم ، وآيات تتحدث عن المسلمين وعقائدهم وأحكامهم بلا ملاحظة الكفار من المشركين وأهل الكتاب .
ولا يمكن لمسلم أن يرفض هذه المرحلية في العرض والتركيز على الأمور ، وإلا ماذا يعني قبولهم لتحريم الخمرة بالتدريج في ثلاث مراحل من نزول الآيات ؟
وعليه من الواضح أن الآيتين المذكورتين من سورة البقرة والآية التي من سورة النساء تتعلق جميعها بالمرحلة الأولى من عرض عقائد المسلمين المنظور فيها أولا بيان الأصول المخرجة من الكفر والمدخلة في الإسلام ، وثانيا مواجهة المشركين وأهل الكتاب ، وهي ليست مرحلة تتساوى مع المرحلة المكية للرسالة بل تتعدها إلى زمن فتح مكة وظهور الدين الإسلامي على كل الديانات الأخرى في الجزيرة العربية .
و عليه لا يتنافى ذلك مع العلم بكون سورة البقرة والنساء مدنيتين ، إذ من الواضح لمن يراجع السيوطي في ( الإتقان )(1) والزركشي في   ( البرهان )(1) إنهما من أوائل السور التي نزلت في المدينة بل البقرة هي الأولى بينهما ، فتبقى السورتان تعبران عن المراحل الأولى لمواجهة المشركين وأهل الكتاب .
وسياقهما واضح في التعريض بأهل الكتاب سواء في قوله تعالى ] ليس البر [ التي كانت ردا على اعتراض اليهود من أهل الكتاب على تغير قبلة المسلمين ، وكذا قوله تعالى ] لا نفرق بين أحد من رسله [ الملحوظ فيها تفريق أهل الكتاب بين الرسل ، وأيضا في قوله تعالى في الآية التي بعدها  ] كما حملته على الذين من قبلنا [ .
قال الطبري في تفسير الآية الأولى من سورة البقرة بعد ذكر قول البعض بأن المقصود أن البر ليس في مجرد الصلاة :
" وقال آخرون عنى بذلك اليهود والنصارى وذلك أن اليهود تصلي فتوجه قبل المغرب والنصارى تصلي فتوجه قبل المشرق فأنزل الله فيهم هذه الآية... وأولى هذين القولين بتأويل الآية القول الذي قاله قتادة والربيع بن أنس أن يكون عنى بقوله ] ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب [ اليهود والنصارى لأن الآيات قبلها مضت بتوبيخهم ولومهم والخبر عنهم … "(2) .
وقال ابن كثير في تفسره للآية السابقة :
" وأما الكلام على تفسير هذه الآية فإن الله تعالى لما أمر المؤمنين أولا بالتوجه إلى بيت المقدس ثم حولهم إلى الكعبة شق ذلك على نفوس طائفة من أهل الكتاب وبعض المسلين فأنزل الله تعالى بيان حكمته من ذلك "(1) .

وقال الطبري في تفسيره للآية الثانية من سورة البقرة :
" والمؤمنون كلهم آمن بالله و ملائكته وكتبه ورسله … ويخالفون في فعلهم ذلك اليهود الذين أقروا بموسى وكذبوا عيسى والنصارى الذين أقروا بموسى وعيسى وكذبوا بمحمد ( ص ) وجحدوا نبوته ومن أشبههم من الأمم الذين كذبوا بعض رسل الله وأقروا ببعضه كما حدثني يونس … قال ابن زيد ] لا نفرق بين أحد من رسله [ كما صنع القوم يعنى بني إسرائيل قالوا فلان نبي وفلان ليس نبيا وفلان نؤمن به وفلان لا نؤمن به "(2) .

قال السيد الطباطبائي في تفسيره :
" ثم عاد في خاتمة البيان إلى وصف حال الرسول ومن تبعه من المؤمنين فذكر أنهم على خلاف أهل الكتاب ما قابلوا ربهم فيما أنعم عليه بالهداية والإرشاد إلا بأنعم القبول والسمع والطاعة مؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله غير مفرقين بين أحد من رسله "(1) .
بل الذي يظهر أن السياق ناظر إلى انحرافات أهل الكتاب ما رواه  مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : لما نزلت على رسول الله       ( ص ) ] لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير [ ، قال اشتد ذلك على أصحاب رسول الله ( ص ) فأتوا رسول الله ( ص ) ثم بركوا على الركب فقالوا : أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزلت عليه هذه الآية ولا نطيقها ، قال رسول الله      ( ص ) : أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا وعصينا ؟ بل قولوا : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ، فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم فأنزل الله في إثرها ] آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير [ ، فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله عز وجل ] لا يكلف الله نفسا إلا وسعها… [ "(2).
وكذا الحال بالنسبة إلى آية سورة النساء فسياقها واضح أنه يتوجه للانحراف الموجود عند أهل الكتاب بقرينة قوله تعالى ] والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل [ .
ولا ينافيه خطاب ] يا أيها الذين آمنوا [ إذ من الواضح أن القرآن يريد حفظ المؤمنين برسول لله من تأثير ضلالات أهل الكتاب ، فيعرض العقائد الصحيحة التي يفتقدها أهل الكتاب وتجعلهم في عداد غير المسلمين ، ولا يكون المقصود بيان كل العقائد حتى التي ليس لها علاقة بتحقق الإسلام وإن كانت أساسية ومهمة مثل الإمامة .
بل الطبري صرح في تفسيره بأن خطاب ] يا أيها الذين آمنوا [ يقصد به أهل الكتاب قال :
" إنه جل ثناؤه لم يسمهم مؤمنين وإنما وصفهم بأنهم آمنوا … وذلك أنهم كانوا صنفين أهل توراة… وصنف أهل الإنجيل … فقال                                جل ثناؤه لهم ] يا أيها الذين آمنوا [ يعني بما هم به مؤمنون من الكتب والرسل "(1) .

 وقال الطبري في آخر الآية التالية أي قوله تعالى ] إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا [(1) :
" وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال عني بذلك أهل الكتاب … وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب في تأويل هذه الآية لأن الآية التي قبلها في قصص أهل الكتابين أعني قوله تعال ] يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله [ "(2) .
وقول الطبري وإن لم يكن قويا في نفسه وإن المقصود هم المسلمون ولكنه لا يمنع من أن النظر في الآيات إلى ضلالات أهل الكتاب التي يمكن أن تؤثر على المؤمنين ودفعها عنهم ، وكما قلنا سابقا الحديث عن خصوص الأصول التي عدمها يعد خروجا عن الإسلام ، فيكون المعنى يا أيها الذين آمنوا برسول الله ( ص ) آمنوا بهذه الأمور ولا تكونوا كضلال أهل الكتاب من عدم إيمانهم بهذه الأصول .
نعم تبقى هناك عدة آيات تذكر الإيمان بالله واليوم الآخر وهذه لا يمكن للخصم الاستدلال بها لأنها لا تذكر النبوة فقطعا ليست هي في صدد الاستقصاء وبيان كل ما له دخل في اعتقادات المسلم .

درجة التصريح بالإمامة
وأما الشق الثاني من السؤال والذي يتعلق بدرجة توضيح عقيدة الإمامة في القرآن ، فينبغي التنبيه أن الحديث هنا عن درجة الوضوح وليس أصل الوضوح لما بينا من أن مجموع العرض الذي عرضنا يكشف الوضوح في الأمر ، فالمشكل له أن يعترض على درجة الوضوح .
ولا شك إن لما ذكرناه في جواب الشق الأول من إن الآيات تعبر عن مراحل من المواجهة مع الخلل العقائدي الذي عاشه المجتمع الجاهلي في مكة وما حولها له دور في درجة تركيز القرآن على تلك الحقيقة .
ولكن المؤثر الأساس هنا هو مراعاة طريقة تعامل الأمة مع الرؤية الإسلامية لخلافة رسول الله ( ص ) وتقدير مدى تجاوبها ، فلو سلم بأن هناك نوع من الرفض للفكرة أو عدم التقبل لها بين بعض أوساط الصحابة المتنفذين ، فإن أسلوب عرض الأمر سوف يتأثر سواء في آيات القرآن الكريم أو النصوص الواردة عن رسول الله ( ص ) ، فهناك أصلان ترسخا في الأمة يجب الحفاظ عليهما وهما :
الأول : إن صدق عنوان الإسلام والدخول فيه بمجرد الشهادتين .
والثاني : ضرورة الحفاظ على تقديس الأمة لآيات القرآن الكريم وعدم فتح أي مجال للمساس بألفاظها الشريفة بالتحريف والتغيير .
 فالذي حدث في الحقيقة نوع من التضحية في مستوى عرض الإمامة  حفاظا على الأصلين السابقين .
وحادثة رزية الخميس - سيأتي ذكر مصادرها - التي طلب فيها رسول الله ( ص ) كتابة الوصية التي لا تضل بعدها الأمة مثال صارخ لمراعاة الأصل الأول .
فقد ورد في آخرها - كما في رواية ابن سعد في ( الطبقات ) تحت عنوان ذكر الكتاب الذي أراد رسول الله ( ص ) أن يكتبه لأمته - أنه قيل له ( ص ) ألا نأتيك بما طلبت ؟ قال : أو بعد ماذا ؟! قال : فلم يدع به(1) .
فهذه العبارة التي تدل على رفض رسول الله أن يكتب شيئا بعد قولهم إن رسول الله ( ص ) يهجر دليل واضح على أنه ( ص ) رأى خطورة إصراره على الكتابة وأنها ستضر بعقيدة الأمة بالنبوة فلذا فضل الحفاظ على احترامهم لقول النبي ( ص ) وعدم مساس حرمته على تبليغ أمر الإمامة على نحو الكتابة ، فلا شك أنهم كانوا مستعدين لإلغاء حجية وصية رسول الله والتأكيد على أنها وصية نبي كان يهجر عند الاحتضار فلا حجة فيها فتصبح عقيدة بين المسلمين .
والقرآن كذلك روعي فيه هذا الأمر بما يحفظ قدسيته بين المسلمين  فلا يتعرض لتحريف لفظي عند الإصرار على ذكر الأمر بأقصى درجات الوضوح ، وهو الأصل الثاني الذي سنذكر له أمثلة في الآيات التي تحدثت عن الإمامة .
وافتراض أن الصحابة يسلّمون بما يقول رسول الله ( ص ) ويأمر به خطأ واضح ، وليس بالضرورة أن تكون المخالفة بسبب النفاق أو الأهواء أو بقاء الرواسب الجاهلية عند البعض ، بل نلاحظ أن كثيرا من الاعتراضات تنشأ من اعتقاد بعض الصحابة بأنه يمكن تخطئة رسول الله ( ص ) ومخالفته في تقدير المصالح الاجتماعية والسياسية ، وكأن الأمر ينطلق من اعتقاد هذا البعض أن النبوة تتعلق ببلاغ الأحكام ، وأما تشخيص المصالح السياسة والاجتماعية فهي مهمة يتساوى فيها الجميع .
ويكفي أن تجد أمثلة غريبة قد لا تخطر على ذهن المسلم منها ما ذكره البخاري في كتاب الجمعة باب إذا نفر الناس عن الإمام عن جابر بن عبد الله قال بينما نحن نصلي مع النبي ( ص ) إذا أقبلت عير تحمل طعاما فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي ( ص ) إلا اثنا عشر رجلا فنزلت هذه الآية ] وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما [(1) .
وكذلك المخالفة التي صدرت من عدد من الصحابة طمعا في الغنائم في معركة أحد فقد روى البخاري في كتاب المغازي باب غزوة أحد عن البراء قال : لقينا المشركين يومئذ وأجلس النبي ( ص ) جيشا من الرماة وأمر عليهم عبدالله وقال : لا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا ، فلما لقينا هربوا حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل رفعن عن سوقهن قد بدت خلاخلهن فأخذ يقولون الغنيمة الغنيمة ، فقال عبدالله : عهد إلىّ النبي ( ص ) أن لا تبرحوا فأبوا ، فلما أبوا صرف وجوههم فأصيب سبعون قتيلا "(1) .  
وتجد ثلاثة أمثلة واضحة لمخالفة الرسول ( ص ) في مواقف أحد كبار الصحابة عمر بن الخطاب وفي أخريات حياة الرسول ( ص ) :
أولها : موقفه في صلح الحديبية واعتراضه على رسول الله ( ص ) فقد روى البخاري في كتاب الشروط باب الشروط في ا لجهاد قول عمر : فأتيت نبي الله ( ص ) فقلت : ألست نبي الله حقا ، قال : بلى ،  قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ، قال : بلى ، قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا  إذا ، قال : إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري ، قلت : أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به ، قال : بلى فأخبرتك أنا نأتيه العام ، قال : قلت : لا ، قال : فإنك آتيه ومطوف به .
ولم يقبل عمر من رسول الله ( ص ) حتى ذهب وكرر الكلام مع أبي بكر ، وفي آخر الرواية يقول الزهري : قال عمر : فعملت لذلك أعمالا (1) .
وفي كتاب التفسير من صحيح البخاري باب فضل سورة الفتح يظهر غضب رسول الله ( ص ) من عمر ، إذ سأله عمر عن شيء فلم يجبه رسول الله ( ص ) ثم سأله فلم يجبه ، فقال عمر بن الخطاب : ثكلتك أم عمر نزرت رسول الله ( ص ) ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك ، قال عمر : فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن ، فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي فقلت : لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن(2) .
ثانيها : في مسألة متعة الحج ، ومصيبة هذا المثال أنه يدخل في المسائل العبادية ولم تختص بصحابي واحد بل كان المعترضون يشكلون ظاهرة ، فقد روى البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب نهي النبي ( ص ) عن التحريم عن جابر قال : أهللنا أصحاب رسول الله ( ص ) في الحج خالصا ليس معه عمرة ، فقدم النبي ( ص ) صبح رابعة مضت من ذي الحجة فلما قدمنا أمرنا النبي ( ص ) أن نحل وقال : أحلوا وأصيبوا من النساء … فبلغه أنا نقول لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس أمرنا أن نحل إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المذي … فقام رسول الله ( ص ) فقال قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم ولولا هديي لحللت كما تحلون(1) .
وقد بينت عائشة درجة عصيان الصحابة كما روى عنها مسلم في كتاب الحج باب بيان وجوه الإحرام قالت : قدم رسول الله ( ص ) لأربع مضين من ذي الحجة أو خمس فدخل علي وهو غضبان ، فقلت : من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار؟! ، قال : أو ما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون(2) .
وقد صرح ابن عباس بالعلة التي جعلتهم يعصون رسول الله كما في رواية مسلم في كتاب الحج باب جواز المتعة في أشهر الحج قال : كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفرا ويقولون إذا برأ الدبر وعفا الأثر وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر ، قدم النبي ( ص ) وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عليهم ،فقالوا : يا رسول الله أي الحل قال الحل كله(3) .
المهم أن بعد هذا كله يقول عمر – وقد كان على رأس المعترضين -كما عن صحيح مسلم في كتاب الحج باب نسخ التحلل : قد علمت أن النبي ( ص ) قد فعله وأصحابه ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك ثم يروحون في الحج تقطر رءوسهم(1) .
وقد بين عمران بن حصين منع عمر للعمرة في أشهر الحج حينما قال كما في كتاب الحج باب جواز التمتع من صحيح مسلم : إني لأحدثك بالحديث اليوم ينفعك الله بعد اليوم واعلم أن رسول الله     ( ص ) أعمر طائفة من أهله في العشر فلم تنزل آية تنسخ ذلك ولم ينه عنه حتى مضى لوجهه ، ارتأى كل امرئ بعد ما شاء أن يرتئي … وقال ابن حاتم في روايته : ارتأى رجل برأيه ما شاء يعنى عمر(2).
ثالثها : رزية الخميس التي رواها مسلم في كتاب الوصية باب ترك الوصية عن ابن عباس أنه قال يوم الخميس وما يوم الخميس ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ قال : قال رسول الله ( ص ) : ائتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فقالوا إن رسول الله ( ص ) يهجر(3) .
وكما ترى ليس المانع لرسول الله ( ص ) شخص واحد ، وقد صرح ابن عباس باسم أهم المعترضين عمر بن الخطاب كما في رواية البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب كراهية الخلاف قال : لما حضر النبي ( ص ) قال : وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال : هلم اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ، قال عمر : إن النبي ( ص ) غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله ، واختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم رسول الله ( ص ) كتابا لن تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال   عمر ، فلما أكثروا اللغط والاختلاف عند النبي ( ص ) قال : قوموا عني ، قال عبيدالله : فكان ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله ( ص ) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم(1) .
هذه ثلاثة مواقف تكشف عن وجود استعداد عند عدد كبير من الصحابة - وبعضهم من كبار الصحابة - لمخالفة رسول الله حتى في الأمور التعبدية فضلا عما يمكن أن يتخيل أنه من التقديرات السياسية أو الاجتماعية ، والمهم أن ما نريد قوله أن رسول الله ( ص ) يمكن أن يراعي هذه الحالة عند إبلاغ بعض الأمور التي لا يجد تقبلا لها بين أصحابه ، كما أنه راعى جانب المشركين حينما كان يمتنع عن قتل بعض المنافقين أو الخونة بقوله ( ص ) : " لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه " كما في صحيح البخاري كتاب المناقب باب ما ينهى من دعوة الجاهلية(1) وموارد متعددة غيرها ، إذ ظاهر هذا النص المتكرر في الصحاح وفي عدة وقائع أن لرسول الله ( ص ) الحق في قتلهم ولكن يراعي ضرورة الحفاظ على شعور الكفار بأن دخولهم الإسلام يضمن لهم السلامة فيدخلوا في الدين ولو طمعا في النجاة .
وقد صرح رسول الله ( ص ) بأنه ترك أمرا ما يتعلق بالكعبة لحداثة الناس بالإسلام فقد روت عائشة كما في صحيح مسلم كتاب الحج باب جدر الكعبة قالت : سألت رسول الله ( ص ) عن الجدر… قال : " ولولا أن قومك حديث عهدهم في الجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أخل الجدر في البيت وأن ألزق بابه بالأرض "(2) .
ذكرنا ما سبق من الأمثلة لكي ندلل على أن يمكن لرسول الله ( ص ) أن يتريث في تبليغ بعض الأحكام لإدراكه وجود نوع اعتراض من الصحابة عليها مع تفاوت درجات الاعتراض والرفض ، وما قوله تعالى ] يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس [(3) إلا إشارة لهذه الحقيقة ، ونكرر أننا لا نريد أن نقول أن الأمر يؤثر في أصل التبليغ بل درجته ومستواه ، ويوجب نوع من التدريج في تبليغه .
وهذا الأمر كما يؤثر على رسول الله ( ص ) يؤثر على صياغة القرآن لمثل هذه الأمور بل هنا الأمر أخطر ، إذ لو صرح بمطلب يعارضه عدد من كبار الصحابة فإن هناك خطورة في تحريف آيات الكتاب .
ولذا من الطبيعي أن يصاغ الأمر في القرآن بحيث لا يفقد وضوحه ولكن في نفس الوقت يعرض بطريقة يؤمن معها كتاب الله أن تناله يد التحريف ، إذ من الخطأ افتراض أن القرآن يحفظ بطريق المعجز دائما بل قد تكون بعض الأسباب الطبيعية هي التي أدت إلى عدم مساس آياته بأي نوع من أنواع التحريف اللفظي ، نعم قد تتدخل عوامل معجزة عند بعض الضرورات تمنع من تطرق الباطل إليه .
ولذا تجد العديد من الآيات التي تتعلق بالإمامة توضع في سياق غريب وأمثلتها عديدة ، وإليك بعضها :
أولها : آية إكمال الدين التي نزلت بعد غدير خم حيث وضعت في وسط آيات تتعلق ببيان المحرم من اللحوم ، قال تعالى ] حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق [ ثم انتقلت الآيات للحديث عن إكمال الدين بقوله تعالى ] اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا [ ثم رجعت الآيات تتحدث عن الموضوع السابق بقوله تعالى ] فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم [(1) .
ثانيها : آية التطهير التي تجدها وضعت بين آيات تتعلق بنساء النبي    ( ص ) مع أنه من الواضح من الروايات التي تتحدث عن أسباب النزول أنه لا علاقة لآية التطهير بهن قال تعالى ] وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا () واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا [(2) .

ثالثها : قوله تعالى مبينا أن الشاهد بعد رسول الله ( ص ) هو رجل منه ] أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة [(3) ، إذ دخول ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة كجملة اعتراضيه أمر متعمد لحفظ الآية ، وكأن السياق الطبيعي ويتلوه شاهد منه إماما ورحمة .
يبقى أن نعرض النصوص التي تبين وبشكل جلي أن إمامة علي (ع)كانت فكرة مرفوضة من قبل بعض الصحابة ، بل كانوا يخططون لمنعها كما يظهر من رزية الخميس .
 فالخلفية التي كان رسول الله ( ص ) يعرف بها ويتخوف منها عند تبليغ إمامة علي (ع) هي بغض بعض الصحابة لعلي (ع) ، والشواهد على ذلك كثيرة .
وأولها ما في كتاب الإيمان من صحيح مسلم باب الدليل على أن حب الأنصار و علي ( رض ) من الإيمان من قول علي (ع) : " والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي ( ص ) إلي أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق "(1) ، فهذا الحديث وحديث " حب الأنصار آية الإيمان وبغضهم آية النفاق "(2) الذي رواه مسلم في نفس الباب دليل على أن هناك بغض من قبل بعض القرشيين والمهاجرين لطرفين كان لهما أكبر الدور في انتصارات رسول الله ( ص ) على قريش ، فمن دخل منهم في الإسلام بتأثير الطمع أو السيف بقيت فيه خصلة بغض هذين الطرفين فأصبحت علامة على نفاقه .
ومنها ما رواه البخاري في صحيحه في كتاب المغازي باب بعث علي بن أبي طالب عليه السلام …إلى اليمن عن بريدة قال : بعث النبي   ( ص ) عليا إلى خالد ليقبض الخمس وكنت أبغض عليا وقد اغتسل ، فقلت لخالد : ألا ترى إلى هذا ! فلما قدمنا على النبي ( ص ) ذكرت ذلك له فقال : يا بريدة أتبغض عليا ؟ قلت : نعم ، قال : لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من  ذلك(1) .
وقد روى الخبر أحمد في مسند بريدة الأسلمي بما يكشف بغض خالد بن الوليد لعلي (ع) قال بريدة : أبغضت عليا بغضا لم أبغضه أحدا قط وأحببت رجلا من قريش لم أحبه إلا على بغضه عليا قال : فبعث ذلك الرجل على خيل فصحبته ما أصحبه إلا على بغضه عليا .
وقد حكم محققو طبعة الرسالة بصحة الحديث(2) ، ومن الواضح من خلال الربط بين الخبرين أن الرجل هو خالد .
وروى الحاكم في ( المستدرك ) عن عمرو الأسلمي وكان من أصحاب الحديبية قال خرجنا مع علي ( رض ) إلى اليمن فجفاني في سفره ذلك حتى وجدت في نفسي فلما قدمت أظهرت شكايته في المسجد حتى بلغ ذلك رسول الله ( ص ) … قال : يا عمرو والله لقد آذيتني فقلت أعوذ بالله أن أؤذيك يا رسول الله قال : بلى من آذى عليا فقد آذاني .
قال الحاكم : حديث صحيح الإسناد ولم يخرجا ، قال الذهبي في التلخيص : صحيح(1) .
وقد ذكر عمران بن حصين أن عدد الذين شكوا عليا أربعة من الصحابة كما في رواية أحمد في ( فضائل الصحابة ) قال : بعث رسول الله ( ص ) بسرية وأمر عليهم علي بن أبي طالب فأحدث شيئا في سفره فتعاهد قال عفان فتعاقد أربعة من أصحاب محمد ( ص ) أن يذكروا أمره لرسول الله ( ص )… قال : فأقبل رسول الله ( ص ) على الرابع وقد تغير وجهه فقال : دعوا عليا دعوا عليا إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي . وحسن محقق الطبعة هذا الخبر(2).
وقد روى الحاكم في مستدركه عن أبي سعيد الخدري ما يظهر أن المبغضين لعلي (ع) جماعة من الصحابة قال : شكى علي بن أبي طالب الناس إلى رسول الله ( ص ) فقام خطيبا فسمعته يقول : أيها الناس لا تشكوا عليا فوالله إنه لأخشن في ذات الله وفي سبيل الله .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجا ، وقال الذهبي في التلخيص : صحيح(3) .
أضف إلى ذلك ما رواه الحاكم عن علي (ع) كما في ( المستدرك ) : " إن مما عهد إلي النبي ( ص ) أن الأمة ستغدر بي بعده " .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقال الذهبي في التلخيص : صحيح(1) .
فمن الواضح من الخبر أن الأمة - وليس مجرد أفراد - ستغدر بعلي (ع)وليس المنطلق إلا المجموعة التي تبغض عليا من الصحابة وتخالف عهدا عهده إليهم رسول الله ( ص ) .
وتكفي دراسة سريعة لأحداث التاريخ لمعرفة عداء عدد من الصحابة لعلي (ع) وما قيام عائشة وطلحة مسألة ظهرت بين عشية وضحاها بل كانت تعبر عن عداوة لعلي (ع) لها جذورها .
فهذا البخاري ينقل في كتاب الصلاة باب بدء الأذان باب حد المريض أن يشهد الجماعة عن عائشة أنها قالت : لما ثقل النبي ( ص ) واشتد وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج بين رجلين تخط رجلاه الأرض وكان بين العباس ورجل آخر ، قال عبيدالله : فذكرت ذلك لابن عباس ما قالت عائشة ، فقال لي : وهل تدري من الرجل الذي لم تسم عائشة ؟ قلت : لا ، قال هو علي بن أبي طالب(2) .

قال ابن حجر في ( الفتح ) :
" قوله هو علي بن أبي طالب زاد الإسماعيلي من رواية عبدالرزاق عن معمر ولكن عائشة لا تطيب نفسا له بخير ، ولابن إسحاق في المغازي عن الزهري ولكنها لا تقدر على أن تذكره بخير ، ولم يقف الكرماني على هذه الزيادة فعبر عنها بعبارة شنيعة وفي هذا رد على من تنطع فقال لا يجوز أن يظن ذلك بعائشة "(1) .
وما نقله الطبري في أحداث سنة (40) عن عائشة عند استشهاد علي (ع) أفظع ، قال :
" ولما انتهى إلى عائشة قتل علي ( رض ) قالت :
فألقت عصاها واستقرت بها النوى      كما تقر عينا بالإياب المسافر
فمن قتله فقيل رجل من مراد فقالت :
فإن يك نائيا فلقد نعاه       غلام ليس في فيه التراب
فقالت زينب بنت أبي سلمة : ألعلي تقولين هذا ؟! فقالت : إني أنسى فإذا نسيت فذكروني "(2) .
وأما معاوية وهو من طلقاء الصحابة فلم يكتف ببغض علي (ع) بل سن شتمه على المنابر حتى أصبح بطل الإسلام الأول يسب على منابر الجمعة قرابة السبعين عاما .
فقد روى مسلم في صحيحه في فضائل الصحابة باب من فضائل علي بن أبي طالب ( رض ) عن سعد بن أبي وقاص قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال : ما منعك أن تسب أبا التراب ؟(1)
وأما إذا أردنا أن نستقصي المبغضين لعلي (ع) من الأجيال المتأخرة على الصحابة فيطول البحث ويخل بالاختصار المطلوب هنا ، بل هي التي أدت إلى نشأة فرقة النواصب والخوارج في التاريخ الإسلامي .
المهم أردنا من العرض السابق بيان أن إبلاغ إمامة علي (ع) من الأمور التي كان رسول الله يدرك وجود اعتراض عليه من البعض المستميت في منع بلوغ علي (ع) للخلافة ، وهذه الحقيقة هي التي أثرت على صياغة القرآن للإمامة بما يحفظها من التلاعب والتحريف .
وفي الختام نرجو أن يكون البحث قد حقق هدفه ، وهو توضيح ما قد يشتبه على البعض بظنهم أن القرآن الكريم لم يعرض الإمامة ، وأن مصدر هذه العقيدة عند الشيعة ليس بقرآني مما أحوجهم إلى التفسير الباطني للقرآن ، وقد أوضحنا لك جلاء أمر الإمامة في القرآن الكريم .





وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والصلاة على خير خلقه محمد وآله الطاهرين



الكويت
3 شوال 1422هجري
عبد الله إبراهيم دشتي





فهرس المصادر و المراجع

1.                الإتقان في علوم القرآن : جلال الدين السيوطي ، منشورات الشريف الرضي – قم – إيران ، الطبعة الثانية ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم .
2.                بحار الأنوار : محمد باقر المجلسي ، دار إحياء التراث العربي – بيروت – لبنان ، الطبعة الثالثة 1983م .
3.                تاريخ الطبري : محمد بن جرير الطبري ، مطبعة الإستقامة بالقاهرة 1939م.
4.                تفسير ابن أبي حاتم : عبد الرحمن بن محمد الرازي ، مكتبة الباز – مكة المكرمة – الرياض ، الطبعة الثانية 1999م ، تحقيق أسعد الطيب .
5.                تفسير ابن كثير : إسماعيل بن كثير الدمشقي ، دار المعرفة – بيروت – لبنان ، الطبعة الثامنة 1996م .
6.                تفسير الطبري : محمد بن جرير الطبري ، دار الفكر بيروت – لبنان 1995م ، تحقيق صدقي العطار .
7.                تفسير القرطبي : محمد بن أحمد القرطبي ، دار الفكر – بيروت – لبنان 1998م ، تحقيق ومراجعة صدقي جميل وعرفات العشا .
8.                الدر المنثور : جلال الدين السيوطي ، دار الفكر – بيروت – لبنان 1993م .
9.                سنن الترمذي : محمد بن عيسى الترمذي ، دار إحياء التراث العربي – بيروت – لبنان ، تحقيق أحمد محمد شاكر
10.          الشريعة : محمد بن الحسين الآجري ، دار الوطن – الرياض – المملكة السعودية ، الطبعة الثانية 1999م ، تحقيق د. عبدالله الرميحي .
11.          صحيح البخاري : محمد بن إسماعيل البخاري ، دار الجيل – بيروت – لبنان ، الطبعة السلطانية 1313هـ
12.          صحيح مسلم : مسلم بن الحجاج النيسابوري ، دار إحياء التراث العربي – بيروت – لبنان 1999م .
13.          الطبقات الكبرى : محمد بن سعد ، دار الفكر – بيروت – لبنان 1994م ، تحقيق سهيل كيالي .
14.          فتح الباري : لإبن حجر العسقلاني ، مؤسسة مناهل العرفان – بيروت – دمشق ، مكتبة الغزالي .
15.          فتح القدير : محمد بن علي الشوكاني ، دار ابن كثير – دمشق ، بيروت 1999م .
16.          فضائل الصحابة : أحمد بن حنبل ، دار ابن الجوزي – الدمام – السعودية 1999م ، تحقيق وصي الله .
17.          الكافي : محمد بن يعقوب الكليني ، دار الأضواء – بيروت – لبنان 1985م ، تحقيق علي أكبر الغفاري .
18.          الكشاف : جار الله الزمخشري ، دار المعرفة – بيروت – لبنان .
19.          المستدرك على الصحيحين : محمد بن عبدالله الحاكم  النيسابوري ، دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان 1990م ، تحقيق مصطفى عطا .
20.          مسند أحمد : أحمد بن حنبل ، مؤسسة الرسالة – بيروت – لبنان 1999م ، تحقيق شعيب ارناؤوط .
21.          مشكل الآثار : أبو جعفر الطحاوي ، دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى 1995م ، تحقيق محمد عبد السلام شاهين .
22.          معتصر المختصر : أبو المحاسن الحنفي ، عالم الكتب – بيروت .
23.          منهاج السنة : ابن تيمية ، دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان، طبعة قديمة في أربعة أجزاء .






n

الإهداء ..........................................................................................................
مقدمة المعد ..................................................................................................
تمهيد المؤلف ................................................................................................  
القسم الأول :
مصير الحجّة بعد الرسول ( ص ) في القرآن ................................
ماذا نقصد بالإمامة ؟ ...............................................................................
أهمية البحث في هذا الأمر ......................................................................
إعادة صياغة نقطة الخلاف ...................................................................  
منهج البحث عن الحقيقة.........................................................................  
حديث العقل عن الإمامة .......................................................................
 الحجة بأبعادها الثلاث ...........................................................................
أولا : العلماء بالكتاب بعد رسول الله ( ص ) ..............................
الدليل على اصطفاء مجموع مع رسول الله ( ص ) .......................
أول العلماء بالكتاب بعد رسول الله ( ص ) ...................................
 ثانيا : الشهداء بالكتاب بعد رسول الله ( ص ) ..........................
أول الشهداء بالكتاب................................................................................
ثالثا : الحكام بالكتاب بعد رسول الله ( ص ) ...............................
أول الحكام بالكتاب...................................................................................
القسم الثاني :
اصطفاء البيوتات في القرآن الكريم ..................................................
سنة القرآن في اصطفاء الآل ...................................................................
الأمثلة القرآنية لاصطفاء البيوتات      
أولا : آل إبراهيم ( ع ) ..........................................................................
ثانيا : آل موسى وآل هارون ( ع ) .................................................
ثالثا : آل يعقوب ( ع ) .........................................................................
رابعا : آل داود ( ع ) .............................................................................
خامسا :آل عمران ( ع ) .......................................................................
سادسا : آل زكريا ( ع ) .....................................................................
تنبيهان مهمان ............................................................................................
آل محمد ( ص ) .......................................................................................
القسم الثالث :
آل محمد ( ص ) في القرآن....................................................................
أولا : قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس) ................
ثانيا : قوله تعالى (قل لا أسألكم عليه أجرا..) ................................
ثالثا : قوله تعالى في آية المباهلة ( فمن حاجك فيه  )...................
رابعا : قوله تعالى (سلام على آل ياسين  ) ......................................
خامسا : قوله تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي) ...........
سادسا : آل محمد ( ص ) هم آل إبراهيم ( ع ) ..........................
خاتمة :
لماذا لم يركز القرآن على الإمامة كتركيزه على النبوة ؟...............
أصول العقائد المصرح بها في كتاب الله...............................................
درجة التصريح بالإمامة.........................................................................  
فهرس المصادر والمراجع ..........................................................................




تم بحمد الله



(1) ابراهيم : 10
(2) المؤمنون : 115
(3) البقرة : 50
(1) النساء : 59
(2) فاطر : 32
(3) البقرة : 134
(4) الأنعام : 124
(1) بحار الأنوار- ج 92 ص 115
(2)  نفس المصدر السابق
(1) الأنعام : 124
(1) الجمعة : 2
(2) الأحزاب : 45
(3) النساء : 65
(1) البقرة : 2
(2) الحجر : 9
(3) النساء : 59
(1) الأنعام : 124
(1) آل عمران : 81
(2) المائدة : 110
(3) النساء : 113
(4) البقرة : 121
(1) الرعد : 36
(2) المدثر : 31
(1) الأنعام : 86-89
(2) النساء : 54
(3) العنكبوت : 48
(1) سبأ : 6
(1) العنكبوت : 49
(2) آل عمران : 7
(3) فاطر : 32
(1) الإسراء : 5
 (1) البقرة : 124
 (2) البقرة : 47
 (3) البقرة : 87
 (1) المائدة : 20
(2) النساء : 54
(1) الرعد : 43
(2) تفسير الطبري ج13 ص232
(1) تفسير ابن كثير - ج 2 ص 540
(2) تفسير الطبري - ج 13 ص 230
(3) زاد المسير – لإبن الجوزية – ج4 ص261
(4) تفسير القرطبي ج9 ص294
(1) أصول الكافي –  للكليني – ج1 ص229
(2) الأحزاب : 45-46
(3) النساء : 165
(4) البقرة : 143
(1) الحج : 78                              
(2) آل عمران : 179                                  
(1) أصول الكافي – للكليني – ج1 ص190
(2) آل عمران : 110
(1) هود : 17
(2) صحيح البخاري - ج3 ص242
(3) الدر المنثور – للسيوطي – ج4 ص409
(4) تفسير ابن أبي حاتم - ج6 ص2015
(5) تفسير الطبري ج12 ص22
(1) زاد المسير – لإبن الجوزي – ج4 ص66
(1) النساء : 65
(2) الأحزاب : 6
(1) الأحزاب : 36
(2) المائدة : 55
(1) النساء : 59
(2) النساء : 54
(1) المائدة : 55
(1) الدر المنثور – للسيوطي – ج3 ص104
(2) زاد المسير – لابن الجوزية – ج2 ص227
(1) القصص : 68              
(2) الأنبياء : 23    
(3) الأنعام : 124
(4) الدخان : 32
(1) آل عمران : 33-34                  
(2) صحيح البخاري - ج4 ص199                              
(3) فتح الباري – لابن حجر – ج6 ص469                                
(4) تفسير ابن أبي حاتم - ج2 ص635
(1) الأنعام : 83-87
(2) آل عمران : 33
(1) النساء : 54    
(2) العنكبوت : 27
(3) الحديد : 26
(4) البقرة : 124
(1) الصافات : 112-113                
(2) الزخرف : 28              
(3) ابراهيم : 37
(3) المجادلة : 22
(1) العنكبوت : 27
(2) البقرة : 248
(1) طه : 25-36              
(2) الفرقان : 35
(3)  الأعراف : 142
(1)  صحيح مسلم – ج4 ص1870
(2) يوسف : 6                            
(3) مريم : 6                                
(4) سبأ : 13
(1) النمل : 16
(2) الأحقاف : 9
(3) آل عمران : 33-34      
(1) آل عمران : 35            
(2)  بحار الأنوار – ج14 ص202
(1) آل عمران : 37-39
(2) الأنبياء : 89
(3) مريم : 1-7
(1) البقرة : 129
(1) آل عمران : 42
(2) البقرة : 247
(1) القصص : 56
(1) الأحزاب : 33
(1) آل عمران : 42
(2) المائدة : 6
(3) العنكبوت : 27
(1) الإتقان – للسيوطي – ج1 ص215
(2) الإتقان – للسيوطي – ج 1 ص 56
(1) الإتقان – للسيوطي – ج1 ص 102
(2) البقرة : 280
(1) تفسير ابن كثير - ج 3 ص491
(1) مشكل الآثار – للطحاوي – ج1 ص227
(1)  مشكل الآثار – للطحاوي – ج1 ص230
(2) الشريعة – للآجري – ج5 ص2205
(1) معتصر المختصر -  أبو المحاسن الحنفي -  ج2 ص266
(1) صحيح مسلم - ج4 ص1883
(2) المستدك على الصحيحين – ج3 ص158
(1) المستدك على الصحيحين – ج2 ص451
(2) سنن الترمذي – ج5 ص699 .... ويظهر من كاتب الحاشية على ( المعجم الكبير ) ج2  ص53 بأن الترمذي قال : حسن صحيح ، ثم علق بقوله : وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده . هذا وقد صحح الألباني الرواية السابقة أيضا .
(1) تفسير ابن كثير – ج3 ص491
(2) منهاج السنة – ج4 ص20
(3)  صحيح مسلم – ج4 ص1874
(1) الشورى : 23                          
(2) الشعراء : 109                                    
(3) سبأ : 47
(4) الفرقان : 57
(1) الأنعام : 90
(2) الفرقان : 57
(1) تفسير ابن كثير - ج4 ص 121
(2)  المستدرك على الصحيحين – ج3 ص172
(1) تفسير ابن كثير – ج6 ص162
(2) صحيح البخاري – ج6 ص162
(1) تفسير ابن ابي حاتم – ج10 ص3277
(2) الأنفال : 41
(3) صحيح مسلم – ج3 ص1445
(1) تفسير ابن كثير – ج2 ص325
(2) الكشاف – للزمخشري – ج3 ص402
(1) سبأ : 47
(2) الكشاف – للزمخشري – ج3 ص402
(3) العنكبوت : 27
(1) البقرة : 124
(2) القلم : 3
(1) آل عمران : 61
(2) صحيح مسلم – ج4 ص1871
(1) تفسير ابن كثير – ج1 ص379
(2) آل عمران : 34
(1) آل عمران : 67-68
(2) الصافات : 130
(1) تفسير الطبري - ج22 ص114
(2) طييه النشر في القراءات العشر – ابن الجزري – ص303
(3) الوسيط في تفسير القرآن – الواحدي – ج3 ص532
(1) تفسير ابن أبي حاتم -  ج10 ص3225
(2) المعجم الكبير – الطبراني – ج11 ص56          
(3) فتح القدير – الشوكاني – ج4 ص470
(4) الأحزاب : 56
(1) صحيح البخاري – ج6 ص151
(2) صحيح مسلم – ج1 ص305
(1) عيون أخبار الرضا – ج1 ص236
(1) آل عمران :68
(2) المائدة : 55
(3) إبراهيم : 35-36
(1) البقرة : 129                          
(2) مسند أحمد – ج5 ص362            
(3)  فاطر : 32                            
(4)  الحج : 78                            
(5)  الزخرف : 28                        
(1)  صحيح مسلم – ج4 ص1782
(2) صحيح البخاري – ج9 ص78
(3) النساء : 54
(1)  النساء : 58
(1) البقرة : 177
(2) البقرة : 285
(3) النساء : 136
(1) الإتقان – للسيوطي – ج1 ص41
(1) البرهان – للزمخشري – ج1 ص281
(2) تفسير الطبري – ج2 ص128
(1) تفسير ابن كثير – ج1 ص213
(2) تفسير الطبري – ج3 ص207
(1) تفسير الميزان – للطباطبائي – ج2 ص440
(2) صحيح مسلم – ج1 ص115
(1) تفسير الطبري – ج5 ص439
(1) النساء 137
(2) تفسير الطبري – ج5 ص441
(1) الطبقات الكبرى - لابن سعد – ج1 ص517
(1) صحيح البخاري – ج2 ص16
(1) صحيح البخاري – ج5 ص120
(1) صحيح البخاري – ج3 ص256
(2) صحيح البخاري – ج6 ص232
(1) صحيح البخاري – ج9 ص137
(2) صحيح مسلم – ج2 ص879
(3) صحيح مسلم – ج2 ص909
(1) صحيح مسلم – ج2 ص896
(2) صحيح مسلم– ج2 ص898
(3) صحيح مسلم – ج3 ص1259
(1) صحيح البخاري – ج9 ص137
(1) صحيح البخاري – ج4 ص223
(2) صحيح مسلم – ج2 ص973
(3) المائدة : 67
(1) المائدة : 3
(2) الأحزاب : 33-34
(3) هود : 17
(1) صحيح مسلم – ج1 ص86
(2) صحيح مسلم – ج1 ص85
(1) صحيح البخاري – ج5 ص207
(2)  مسند أحمد – ج38 ص67
(1) المستدرك على الصحيحين – ج3 ص122
(2) فضائل الصحابة – ج2 ص749 حديث رقم 1035
(3) المستدرك على الصحيحين – ج3 ص134
(1)المستدرك على الصحيحين – ج3 ص140
(2) صحيح البخاري – ج1 ص170
(1) فتح الباري – لإبن حجر – ج2 ص155
(2) تاريخ الطبري – ج4 ص115
(2) صحيح مسلم – ج4 ص1871