الجمعة، 15 مارس 2013

عقائد الامامية_ناصر مكارم الشيرازي_ النبوة



الفصل الثاني
النبوة

12- فلسفة بعثة الأنبياء:
إننا نعتقد أن الله تبارك وتعالى بعث الأنبياء والرسل لهداية الإنسان وإيصاله إلى الكمال المطلوب والسعادة الخالدة؛ ذلك أن الهدف من خلق الإنسان ما كان ليتحقق لو لم يبعث الله رسله فلو لا ذلك لغرق الإنسان في أوحال الضلال: (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً) النساء/165.
إننا نعتقد أن خمسة فقط من بين الرسل المبعوثين هم (أولوا العزم) أي أصحاب شريعة جديدة وكتاب سماوي جديد، أولهم نوح عليه السلام والبقية كما في هذه الآية هم: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك، ومن نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى ابن مريم، وأخذنا منهم ميثاقاً غليظا) الأحزاب/7.
(فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل) الأحزاب/7.
إننا نعتقد أن محمداً صلى الله عليه وآله هو خاتم الأنبياء وآخر الرسل، وشريعته موجهة لجميع الناس وباقية ما بقي العالم، بمعنى أن المعارف والأحكام والتعاليم الإسلامية من الشمولية بحيث تلبي كل حاجات الإنسان المعنوية والمادية مدى الدهر، وكل دعوة جديدة للنبوة والرسالة هي دعوة باطلة مرفوضة: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما) الأحقاف/35.

13- التعايش بين اتباع الأديان الإلهية:
أننا نعتقد أن الدين الإسلامي هو الدين الرسمي الإلهي الوحيد في هذا الزمن، ونعتقد في الوقت ذاته بوجوب التعايش السلمي مع أتباع الأديان السماوية الأخرى، سواء عاشوا في البلاد الإسلامية أو خارجها، إلا من رفع لواء محاربة الإسلام والمسلمين: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) الأحزاب/40.
إننا نعتقد أنه يمكن تبيين حقيقة الإسلام وتعاليمه للجميع من خلال البحث المنطقي والنقاش الموضوعي، ونعتقد بأن قابلية الاستقطاب والجذب في الإسلام من القوة بحيث يمكن لفت الأنظار نحوه وكسب الناس إليه إذا جرى توضيحه بشكل صحيح، لا سيما في عالم اليوم حيث يكثر الإقبال عليه لوعي رسالته.
ولهذا فإننا نعتقد بأن الإسلام يجب ألا يفرض على الآخرين قسراً: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) الممتحنة/8.
إننا نعتقد أن التزام المسلمين بتعاليم الدين هو أسلوب آخر لتعريف الإسلام، كما قال الإمام الصادق عليه السلام: (كونوا دعاةً لنا بغير ألسنتكم)، ولا ضرورة للإجبار والقسر والإكراه.

14- عصمة الأنبياء:
إننا نعتقد أن جميع الأنبياء معصومون على مدى أعمارهم (قبل النبوة وبعدها)، ومصونون من الخطأ، والاشتباه، والذنب، وذلك بالتأييد الإلهي؛ لأن النبي إذا ارتكب الخطأ أو الذنب سلبت منه الثقة اللازمة لمنصب النبوة، وعندئذ لا يمكن للناس أن يثقوا بوساطته بينهم وبين الله، ولكي يعدوه أسوة لهم وإماماً في كل أعمالهم وسلوكهم.
ولهذا فإننا نعتقد أن ما يبدو من ظواهر بعض الآيات القرآنية من أن بعض الأنبياء ارتكبوا المعاصي، هو من قبيل ترك الأولى (بمعنى اختيار العمل الأقل صلاحاً من بين عملين صالحين، في حين كان من الأولى اختيار الأصلح)، أو بتعبير آخر هو من قبيل: (حسنات الأبرار سيئات المقربين)(1) – لأنه ينتظر من كل شخص أن يقوم بالعمل الذي يناسب مقامه.

15- الأنبياء عباد الله:
إننا نعتقد أن أعظم فخر للأنبياء والرسل هو كونهم عباداً مطيعين لله، ولهذا فإننا نكرر في صلواتنا اليومية شهادة أن محمداً صلى الله عليه وآله عبد الله ورسوله: (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله).
إننا نعتقد أن أحداً من الأنبياء لم يدع الألوهية، ولم يدعُ الناس إلى عبادته: (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله) آل عمران/79.
والسيد المسيح عليه السلام أيضاً لم يدع الناس إلى عبادته، وكان يعتبر نفسه عبداً لله ورسولا: (لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون) النساء/172.
أما مسألة التثليث في الدين المسيحي (الاعتقاد بالآلهة الثلاث)، فلم يكن له وجود في القرن الميلادي الأول كما تشهد على ذلك التواريخ المسيحية المعاصرة، وإنما ظهرت هذه الفكرة فيما بعد.

16- المعجزات وعلم الغيب:
لا تمنع كون الأنبياء عباداً لله أن يطلعوا على غيب الماضي والحاضر والمستقبل بإذن الله: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول) الجن/26-27.
وإننا نعلم أن من معجزات السيد المسيح عليه السلام أن كان ينبئ الناس ببعض الأمور الخفية: (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) آل عمران/49.
كما كان رسول الله محمد صلى الله عليه وآله يكشف عن الكثير من الأخبار الغيبية بالوحي الإلهي: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك) يوسف/102.
وعليه، ليس ثمة مانع يمنع الأنبياء من الإخبار بالغيب عن طريق الوحي وبإذن الله؛ أما نفي بعض الآيات القرآنية الغيب عن رسول الله من قبيل الآية: (ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك) الأنعام/50، فالمراد بذلك العلم الذاتي الاستقلالي وليس العلم المكتسب من الوحي الإلهي، لأن الآيات القرآنية تفسر بعضها بعضاً.
إننا نعتقد أن المعاجز التي تصدر عن الأنبياء كلها كانت بإذن الله تعالى، والاعتقاد بهذا المر ليس شركاً ولا يتناقض مع مقام العبودية لدى الأنبياء، فالسيد المسيح عليه السلام كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله: (وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله) آل عمران/49.

17- مقام شفاعة الأنبياء:
إننا نعتقد أن للأنبياء ولا سيما للنبي محمد صلى الله عليه وآله مقام الشفاعة؛ إذ يشفعون لبعض المذنبين عند الله بإذنه: (ما من شفيع إلا من بعد إذنه) يونس/3.
(من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) البقرة/255.
وإذا نفت بعض الآيات القرآنية الشفاعة مطلقاً كقوله تعالى: (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) النساء/64، فهي الشفاعة الاستقلالية بغير إذن الله تعالى، أو شفاعة من ليس بمستوى الشفاعة؛ لأن الآيات القرآنية – كما أسلفنا – يفسر بعضها بعضاً.
إننا نعتقد أن مسألة الشفاعة وسيلة مهمة لتربية الأفراد، وإعادة العاصين إلى الطريق القويم، والتشجيع على التقوى وإحياء الأمل في القلوب؛ لأن الشفاعة لا تكون عملية فوضوية، وإنما تشمل من يستحقها، بمعنى أن معاصيه قد لا تبلغ الحد الذي تنقطع فيه العلاقة نهائياً بين العاصي والشفيع؛ وعليه فالشفاعة تعتبر تحذير للمذنبين من أن يهدموا كافة الجسور من خلفهم، فلا يتركوا طريقاً للعودة، ولكي لا يفقدوا صلاحية الشفاعة حينئذ تماماً.

18- التوسل:
إننا نعتقد أن مسألة (التوسل) هي كقضية (الشفاعة) تتيح لأصحاب المشاكل المادية والمعنوية التوسل إلى أولياء الله ليسألوا الله حل مشكلاتهم بإذنه تعالى، إي إنهم يتجهون إلى الله تبارك وتعالى جاعلين أولياءه وسيلة إليه تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما) يوسف/97-98.
ونقرأ في قصة يوسف عليه السلام أن اخوته توسلوا إلى أبيهم (قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين) يوسف/97، فما كان من أبيهم الشيخ الكبير يعقوب النبي عليه السلام إلا أن وافق على هذا الطلب وقال: (سوف استغفر لكم ربي) يوسف/98، وهذا دليل على أن التوسل كان سائداً في الأمم السالفة.
ولكن يجب عدم تجاوز الحد المنطقي والاستغراق في هذه العقيدة، وإضفاء الاستقلالية على أولياء الله في التأثير وتصور إمكانية الاستغناء عن الله وإرادته ومشيئته وإذنه، فذلك يؤدي إلى الشرك والكفر.
كما أن التوسل يجب أن لا يتخذ شكل العبادة للأولياء؛ لأن ذلك من الكفر والشرك أيضاً، لأنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً دون إذن الله: (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله).
ويلاحظ بين طوائف من عوام جميع الفرق الإسلامية حالة الإفراط والتفريط في مسألة التوسل، الأمر الذي يتطلب إرشادهم وهدايتهم من قبل علمائهم ومفكريهم.

19- أصول دعوة الأنبياء واحدة:
إننا نعتقد أن جميع الأنبياء الربانيين كانوا يتطلعون إلى هدف واحد هو سعادة الإنسانية عن طريق الإيمان بالله ويوم القيامة والتعليم والتربية الدينية الصحيحة، وتعزيز الأسس الأخلاقية في المجتمعات البشرية؛ ولهذا فإننا نحترم جميع الأنبياء، وهو ما ربانا القرآن الكريم عليه: (لا نفرق بين أحد من رسله) البقرة/285.
وقد تكاملت الرسالات السماوية تدريجياً وتعمقت التعاليم الربانية بمضي الزمان واستعداد النوع البشري لتلقي هذه التعاليم، حتى جاء دور أكمل الرسالات الإلهية وآخرها ألا وهو الدين الإسلامي: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) المائدة/3.

20- إخبار الأنبياء السالفين:
إننا نعتقد أن كثيراً من الأنبياء السالفين أنبأوا بظهور الأنبياء الذين جاءوا من بعدهم، وقد أخبر موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام بمجيء نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم وبشروا به، حيث تتضمن بعض كتبهم ذلك حتى يومنا هذا: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل… أولئك هم المفلحون) الأعراف/157.
ولهذا ينقل لنا التاريخ أن مجموعات من اليهود كانت تتردد على المدينة قبل ظهور الدين الإسلامي انتظاراً له؛ لأن كتبهم كانت تتحدث عن انبعاث دين جديد من هذه الأرض المقدسة، وقد آمن بعضهم بالفعل بعد الإعلان عن الدين في حين عارض آخرون ممن تعرضت مصالحهم للخطر.

21- الأنبياء وإصلاح شئون الحياة:
إننا نعتقد أن الرسالات السماوية التي أنزلت على الأنبياء، ولا سيما الدين الإسلامي، لم تأت لإصلاح الحياة الفردية فحسب، ولم تتخصص في القضايا المعنوية والأخلاقية فقط، وإنما تهدف إصلاح جميع الشئون الاجتماعية؛ وقد تعلم الناس كثيراً من العلوم المطلوبة في الحياة اليومية من الأنبياء، الأمر الذي أشار إليه القرآن الكريم في بعض آياته.
ونعتقد أيضاً أن من أهم أهداف الأنبياء إقامة العدالة الاجتماعية في المجتمع البشري: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) الحديد/25.

22- رفض العنصرية:
إننا نعتقد أن الأنبياء، ولا سيما خاتمهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كانوا يرفضون كل أنواع التمييز العنصري والقومي، وإنما ينظرون إلى جميع الأمم والأقوام واللغات والأجناس نظرة واحدة؛ ويخاطب القرآن الكريم كل صنوف البشر بالقول: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات/13.
وروي في الحديث المعروف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله في منى في موسم الحج والناس ملتفون حوله: (يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد. ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى. ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: ليبلغ الشاهد الغائب)(2).

23- الإسلام والفطرة الإنسانية:
إننا نعتقد أن بذور الإيمان بالله والتوحيد وتعاليم الأنبياء وجدت بشكل فطري في أعماق جميع بني البشر، سقاها الأنبياء بمياه الوحي الإلهي، وأبعدوا عنها أشواك الشرك والانحراف: (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) الروم/30.
ولهذا وجد الدين مع الإنسان على مدى التاريخ، أما الفكر اللاديني فكان استثناء – حسب ما يعتقد المؤرخون – ولوحظ أيضاً أن الشعوب التي تعرضت لضغوط إعلامية شديدة لفصمها عن دينها، سرعان ما عادت إليه مع حصولها على الحرية، وهنا لا يمكن أن ننكر أثر الاعتقاد بالخرافات على تدني المستوى الثقافي لدى بعض الأقوام، وكان الأنبياء عليهم السلام يؤدون دوراً مهماً في طرد هذه الخرافات عن الرسالات السماوية والفطرة الإنسانية.

1- نقل الشيخ المجلسي هذه العبارة في كتابه بحار الأنوار عن بعض المعصومين دون أن يذكر اسمه (البحار 25: 205)
2- تفسير القرطبي 9: 6162.