الثلاثاء، 18 يونيو 2013

ابو بكر وعمر لا يعقلون بنص القران





بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5), سورة الحجرات.

معاني الكلمات:
لا تقَدموا بين يدي الله ورسوله: لا تعجلوا بالأمر قبل ان يأمر به الله ورسوله. 
لا ترفعوا اصواتكم: غضّوها وتكلموا بهدوء ولين. 
امتحنَ الله قلوبهم: طهّرها ونقاها واخلصها للتقوى. 
الحجرات: مكان سكن النبي الكريم، كان لكل زوجة حجرة، بيت. 
من وراء الحجرات: من خارجها.



واما سبب نزول هذه الآية كما رواه البخاري في «صحيحه» في قصة وفد بني تميم بسنده إلى ابن الزبير قال: «قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال أبو بكر: أمَّرْ عليهم القعقاع بن معبد بن زُرارة. وقال عُمر: بل أمِّر الأقرعَ بن حابس. قال أبو بكر: ما أردت إلاّ خلافي أو إلَى خلافي قال عمر: ما أردت خِلافك أو إلى خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما في ذلك فنزل: { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون }. فهذه الآية توطئة للنهي عن رفع الأصوات عند رسول الله صلى الله عليه واله والجهرِ له بالقول وندائه من وراء الحجرات. وهنالك روايات أخرى في سبب نزولها لا تناسب موقع الآية مع الآيات المتصلة بها. وأيَّا مَّا كان سبب نزولها فهي عامة في النهي عن جميع أحوال التقدم المراد(1).

وفي تفسير البغوي: أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن موسى، 134/ب حدثنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم عن ابن أبي مليكة، أن عبد الله بن الزبير أخبرهم، أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه واله وسلم، فقال أبو بكر: أَمِّرِ القعقاع معبد بن زرارة، قال عمر: بل أَمِّرِ الأقرع بن حابس، قال أبو بكر: ما أردتَ إلا خِلافي، قال عمر: ما أردتُ خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزلت في ذلك: "يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله" حتى انقضت(2).
اما في كتاب تفسير الامثل فيقول: هناك شأن آخر لنزول الآية بل هو يتعلّق بالآية الأولى وما بعدها وهو أنّه في السنة التاسعة للهجرة حين كانت القبائل تَفُد على النّبي للسلام عليه أو للمعاهدة معه، وقد عُرف العام ذلك «بعام الوفود» وعند وصول ممثلي قبيلة تميم إلى النّبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال أبو بكر: ليكن «القعقاع» (أحد أشراف تلك القبيلة) أميرها، واقترح عمر أن يكون «الحابس بن أقرع» أميرها. فقال أبو بكر لعمر أردت أن تخالفني، فردَّ عليه عمر بأنّه لم يُرد مخالفته أبداً، فتعالى الصياح والضجيج بينهما، فنزلت الآيات الآنفة... أي لا تقترحوا في الأُمور على النّبي شيئاً ولا تتقدّموا عليه في العمل ولا ترفعوا أصواتكم عند بيت النبي(3).

وفي كتاب بحار الانوار فيقول المجلسي: روى البخاري في صحيحه في كتاب المغازي بعد باب وفد بني تميم، وفي تفسير سورة الحجرات، والترمذي والنسائي في صحيحهما، وأورده في كتاب جامع الاصول في كتاب تفسير القرآن من حرف الطاء، عن عبد الله ابن الزبير، قال: قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه [وآله]، فقال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد بن زرارة، وقال عمر: أمر الاقرع بن حابس، فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي، وقال عمر: ما أردت خلافك. قال: فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزلت في ذلك: (يا أيها الذين ءامنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله..) حتى انقضت. قال في جامع الاصول: وفي رواية قال ابن أبي مليكة: كاد الخيران يهلكا أبو بكر وعمر، لما قدم على النبي صلى الله عليه [وآله] وفد بني تميم أشار أحدهما بالأقرع بن حابس الحنظلي وأشار الآخر بغيره.. ثم ذكر نحوه ونزول الآية، ثم قال ابن الزبير: فكان عمر بعد إذا حدث بحديث كأخي السرار لم يسمعه حتى يستفهمه، ولم يذكر ذلك عن أبيه. قال : أخرجه البخاري، وأخرج النسائي الرواية الاولى، وأخرج الترمذي قال: إن الاقرع بن حابس قدم على رسول الله صلى الله عليه
[وآله]، فقال أبو بكر: يا رسول الله! استعمله على قومه.. فقال عمر: لا تستعمله يا رسول الله، فتكلما عند النبي صلى الله عليه [وآله] حتى علت أصواتهما، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي. فقال: ما أردت خلافك. قال: فنزلت هذه الآية: (يا أيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي..)، قال: فكان عمر بعد ذلك إذا تكلم عند النبي صلى الله عليه وآله لم يسمع كلامه حتى يستفهمه، وما ذكر ابن الزبير جده - يعني أبا بكر -. وقال الترمذي: وقد رواه بعضهم عن ابن أبي مليكة مرسلا، ولم يذكر ابن الزبير، وقال: حديث غريب حسن، انتهى.
حكاية رواياتهم: ومن تأمل فيها وفي الآيات النازلة في تلك الحال بعين الاعتبار علم أنهما بلغا في سوء الادب وكشف جلباب الحياء الغاية القصوى، حتى لم يقنعا في الجفاء وترك الاحتشام بأن يروا آرائهما الفاسدة متقدمة على ما يراه الرسول صلى الله عليه وآله، بل زعماها متقدمة على حكم الله سبحانه، كما نطق به نهيه تعالى إياهما بقوله: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله..)، ثم أمرهما بالتقوى والخشية من الله معللا نهيه وأمره بأن الله سميع عليم، تعريضا بأنهما لسوء الادب والاقدام على التقدم بين يدي الله ورسوله في كلامهما كأنهما لم يذعنا بأن الله سميع عليم، ثم حذرهما في رفع أصواتهما فوق صوت النبي صلى الله عليه وآله والجهر له بالقول كما كان دأب أجلاف العرب وطغامهم في مخاطبة بعضهم بعضا عن حبط الاعمال من حيث لا يشعران، وفيه دلالة على أنهما لم يقتصرا على رفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وآله في مخاطبة أحدهما للآخر بل خاطباه بصوت رفيع من دون احترام وتوقير، ثم حصر الممتحنين قلوبهم للتقوى في الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال: (لهم مغفرة وأجر عظيم)، تنبيها على خروجهما عن زمرة هؤلاء. وقد ظهر لذي فطرة سليمة أن ترك ابن الزبير ذكر أبي بكر عند حكايته عن عمر بن الخطاب انتهاؤه عن هذه الوقاحة الشنيعة، مع أن أبا بكر كان جدا له، واهتمامه بتزكيته كان أشد من اعتنائه بشأن عمر بن الخطاب، دليل على عدم ظهور آثار المتابعة والانقياد عنه كما ظهر عن عمر، فكان أغلظ منه وأخبث باطنا وأقبح سريرة، وليس في الذم والتقبيح أفحش من هذا. وان ما قاله ابن أبي مليكة: من أنه كاد الخيران أن يهلكا، فوالله لقد هلكا وكان الرجل غريقا في نومة الجهل خائضا في غمرات البهت والغفلة، وليت شعري ما حملها على شدة الاهتمام وبذل الجهد في تأمير الاقرع أو القعقاع بحضرة الرسول صلى الله عليه وآله أكان ذلك تشييدا لأركان الدين ومراعاة لمصالح المسلمين؟!، فتقدما بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وآله لظنهما أنهما أعلم من الله ومن رسوله صلى الله عليه وآله بما يصلح شأن الامة، فخافا من أن يلحقهم ضرر بتأمير من يؤمره الرسول أو لزعمهما أنهما أبر وأرأف بهم من الله ومن رسوله صلى الله عليه وآله(4).
_____________
(1) كتاب التحرير والتنوير الباب الثاني، الجزء14، صفحة 2
(2) تفسير البغوي جزء7، صفحة334، أخرجه البخاري في التفسير: باب (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) 8 / 592، وفي المغازي، وفي الاعتصام بالكتاب والسنة.
(3) الأمثل / الجزء السادس عشر / صفحة 511، نقل ذلك القرطبي في تفسيره، ج9، ص6121، وسيد قطب في ظلاله، ج7، ص524، وابن هشام في سيرته ص206 فما بعد (مع شيء من التفاوت والاختلاف) كما ورد في صحيح البخاري، ج6، ص172، في تفسيره سورة الحجرات..
(4) بحار الأنوار / جزء 30 / صفحة (278) الى (281) وتجدها في صحيح البخاري 6 / 172، باب وفد بني تميم. وفي الاعتصام، باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم. وصحيح البخاري 8 / 452 - 454 في تفسير سورة الحجرات، باب لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي (صلى الله عليه واله): وباب إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون. وصحيح الترمذي، حديث 3262 في التفسير، باب ومن سورة الحجرات. وصحيح النسائي 8 / 226 في القضاء، باب استعمال الشعراء، وجامع الاصول 2 / 360، حديث 809.