الثلاثاء، 8 يوليو 2014

الفرق بين الأمامة والخلافة

ذكروا في تعريف الخلافة أنّها: الرئاسة العامّة في التصدّي لإقامة الدين بإحياء العلوم الدينية وإقامة أركان الإسلام، والقيام بالجهاد وما يتعلّق به من ترتيب الجيوش والفرض للمقاتلة وإعطائهم من الفيء، والقيام بالقضاء وإقامة الحدود ورفع المظالم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نيابة عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)(1). وواضح أنّ المراد منها خاصّة عند العامّة: هي الخلافة الظاهرية ورئاسة الحكومة والإمارة، وهي تثبت لمن يقوم مقام النبيّ حتّى ولو لم ينصّبه النبيّ.
وهي عندنا لا تكون إلاّ بنص النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لما عرفت من حقيقتها وأنّها نيابة عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في جميع شؤونه، وبالتالي تكون خلافة عن الله تعالى.

وما زعموه من أنّه: لا يصلح أن يقال: أنّ الله يستخلف أحداً عنه ممنوع؛ لتصريح أئمّة السُنّة بكون داود(عليه السلام) خليفة الله، وأنّه قد وصف بهذا في القرآن العظيم(2), وإنّما انحرفوا عن هذا المعنى تصحيحاً لخلافة الثلاثة، وتوسّلوا في سبيل إثبات صحّة خلافتهم بالشورى حتّى عدّوا الخلافة جزءاً منها، ورغم أنّ مصطلح الخلافة ظاهراً في معنى الإيصاء وتنصيب النائب عن منوبه إذ يفترض وجود مستخلف، وأنّه مريد لتعيين من يخلفه؛ لأنّ ذلك من شؤونه لا من شأن غيره، ولو لم يكن هذا المعنى لازماً لمفهوم الخليفة لما ترك الخليفة الأوّل والخليفة الثاني الأُمّة دون أن ينصبّوا رئيساً لها، وإنّ كان هذا التنصيب بأشكال مختلفة، فتحصّل من كلّ ذلك أنّ الخلافة لا تصحّ إلاّ بأن ينصّ السابق على لاحقه، وأنّها من شؤون الدين لا من شؤون الناس.

أمّا الإمامة فهي الخلافة الإلهية التي تكون متمّمة لوظائف النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإدامتها، عدا الوحي, فكلّ وظيفة من وظائف الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، من: هداية البشر، وإرشادهم وسوقهم إلى ما فيه الصلاح والسعادة في الدارين، وتدبير شؤونهم، وإقامة العدل، ورفع الظلم والعدوان، وحفظ الشرع، وبيان الكتاب، ورفع الاختلاف وتزكية الناس وتربيتهم، وغير ذلك.. كلّها ثابتة للإمام، فما أوجب إدراج النبوّة في أُصول الدين هو بعينه الذي أوجب إدراج الإمامة بالمعنى المذكور فيها(3).
ويشهد لكون الإمامة من أُصول الدين: أنّ منزلة الإمام كمنزلة النبيّ في حفظ الشرع، ووجوب اتّباعه، والحاجة إليه، ورياسته العامّة، بلا فرق.
وقد وافق على أنّها من أُصول الدين جماعة من مخالفي الإمامية، كالقاضي البيضاوي(4).
فالإمامة ليست مجرّد زعامة اجتماعية وسياسية, فلو كانت كذلك لكان الإنصاف أنّها من فروع الدين كسائر الواجبات الشرعية من الصوم والصلاة وغيرها، ولكن الشيعة لا يكتفون بمجرّد هذا المعنى، بل هي عندهم لطف إلهي كالنبوّة، فتكون أصلاً لا فرعاً.

ويمكن الاستدلال لذلك مضافاً إلى ما ذكر بقوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغ مَا أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَم تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ )) (المائدة:67)؛ فإنّ الآية بعد كونها نازلة في الإمامة والولاية عند أواخر حياة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، دلّت على أنّها أصل من أُصول الدين؛ إذ الإمامة، على ما تدلّ عليه الآية المباركة، أمر لو لم يكن كان كأن لم يكن شيء من الرسالة والنبوّة، فهذه الآية تنادي بأعلى صوت: أنّ الإمامة من الأجزاء الرئيسية الحياتية للرسالة والنبوّة، فكيف لا تكون من أُصول الدين؟

وأيضاً يمكن الاستدلال بقوله تعالى في سورة المائدة، التي كانت آخر سورة نزلت على النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (( اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِيناً )) (المائدة:3)؛ فإنّ الآية، كما نصّت عليه الروايات، نزلت في الإمامة والولاية لعليّ(عليه السلام)، ويؤيّده: عدم صلاحية شيء آخر عند نزولها لهذا التأكيد، فالآية جعلت الإمامة مكمّلة للدين ومتمّمة للنعمة، فما يكون من مكمّلات الدين ومتمّماته كيف لا يكون من أُصول الدين وأساسه؟
هذا مضافاً إلى الحديث النبوي المستفيض عند الفريقين، أنّه قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)، وهذا الحديث يدلّ على أنّ معرفة الإمام إن حصلت ثبت الدين، وإلاّ فلا دين له إلاّ دين جاهلي(5).

ومن المناسب أن نشير هنا إلى أنّ الخلافة والإمامة بالاصطلاح القرآني لها معنى آخر, وهو يفترق من بعض الوجوه عمّا هو مستعمل في الاصطلاح الكلامي, فالبحث الكلامي، خاصة عند العامّة، ينظر في حدود الخلافة عن الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفي كون الإمامة منصب ديني أو سياسي، والذي هو شأن من شؤون الإمامة والخلافة بالمعنى القرآني، ولا يتطرّق إلاّ نادراً إلى الخلافة والإمامة عن الله عزّ وجلّ، فقد وصف بعض الأنبياء في القرآن الكريم، كآدم وداود(عليهما السلام) بأنّهما: خليفتان(6)، ووصف إبراهيم(عليه السلام) بأنّه: إمام(7)، فهل أنّ سائر الأنبياء كذلك، أو أنّ تلك الأوصاف مترتّبة على منزلة خاصّة ممنوحة من قبل الله تعالى لبعض دون بعض، كما هو الظاهر؟! فهذا البحث في الحقيقة أجنبي عن البحث الكلامي الذي ذكرناه؛ فلاحظ!
نعم، هو عند الإمامية يدخل في حقيقة المعرفة بالإمامة. 
ودمتم في رعاية الله

(1) انظر: إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء (أردو) 1: 13 المقصد الأوّل، الفصل الأوّل.
(2) قوله تعالى في سورة ص الآية (26): ((يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرضِ...))، انظر: جامع البيان للطبري 23: 180 الحديث (22947)، وغيره.
(3) انظر: بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية 2: 15 عقيدتنا في الإمامة.
(4) انظر: دلائل الصدق 4: 308 - 312 مباحث الإمامة، المبحث الأوّل، الإبهاج في شرح المنهاج للسبكي 2: 295 الكتاب الثاني: في السنة، الباب الثاني: في الأخبار، الفصل الثاني: في ما علم كذبه.
(5) انظر: بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية 2: 15 عقيدتنا في الإمامة.
(6) قوله تعالى في آدم (عليه السلام): ((وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجعَلُ فِيهَا مَن يُفسِدُ فِيهَا وَيَسفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعلَمُ مَا لاَ تَعلَمُونَ))(البقرة (2): 30)، وقوله تعالى: ((يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرضِ)) (ص (38): 26).
(7) قوله تعالى لإبراهيم(عليه السلام): ((إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ))(البقرة (2): 124).